تَكْبُر
أن تنضج، لا أن تكبر، أن تكتشف في لحظة أنك لست من كان بالأمس والسبب ليس ذلك الخط الجديد الظاهر تحت العين أو الشعرة البيضاء التي تسللت في الظلام، إنما تحسه لأنك نظرت لنفس ما نظرت إليه بالأمس فرأيت مالم لم تره بالأمس.
لا يعني ذلك أبداً اطمئنان الحكماء الذي لا يفصح عما يعتمل في نفوسهم، وبرغم أن الشعور بالغرابة والاندهاش لا يفارقك، فأنت تستطيع أن تنام واضعاً ساقاً فوق ساق وتهزها ببطأ متأملاً الزهرة الحمراء التي تساقطت احدى وريقاتها بينما تشعر بتلك الحصوة الصغيرة فوق العشب والتي تمددت عليها، وحين شعرت بذلك كنت أكسل من أن تغير وضعك، لديك استعداد لتقبل وجود الحصوة الصغيرة تحت ظهرك وبعد دقائق تتناساها تماماً في خضم تأملك للورقة الساقطة من الزهرة الحمراء
ربما بالأمس كنت ستقوم وتبحث بعناية عن الحصوة السخيفة وتلقيها بعيداً وتعيد ترتيب جلستك كما ينبغي لتكتشف أن الجلسة الأولى كانت أكثر راحة وأن ورقة أخرى قد سقطت عن الزهرة المسكينة فأفسدت الحالة التأملية التي كنت فيها
لحظة غريبة على طابعك تكتشفها فجأة فتسطع في عينيك حقيقة أنك تغيرت، وتدرس التغير فتكتشف أنه نوع ما من النضج، فها أنت جالس على حصوة صغيرة وبالرغم من ذلك فأنت "على ما يرام"
تتذكر تلك النظرية الخاصة بانتحار الخلية، كل خلية بعدما تنقسم عدد ما من المرات تنتحر، هكذا بمنتهى البساطة، أوليس انتحارها ذلك أيضاً "نوع من النضج"؟
تهاجمك النظرية كالعادة في أهدأ لحظات التأمل وتكتشف أن مشكلتك الكبرى هي أنك دائماً حين تغرق في التأمل تطاردك الرغبة في الوصول للتعريفات فتلعن في سرك التعريفات، مثل شخص فقد القدرة على الاستمتاع بشعاع ضوء طالما لم يفهم بعد نظرية النسبية
تكتشف حماقة فكرة النضج وتفضل عليها فكرة "التغير" أو "التطور" بمعنى الوصول لطور جديد وليس بمعنى الوصول لطور أفضل، وتندهش مرة ثانية أن كلمة "التطور" تستعمل للدلالة على التحسن وتود لو حملت كل الكلمات معانيها الحقيقية فحسب
نسيت الحصوة والزهرة وفاجئتك رطوبة العشب، تخلع القميص وترقد بظهر عاري عليه لتشعر أكثر بتلك النداوة اللطيفة الخارجة من ري مرت عليه ساعات كثيرة، وينظر لك المارة بغرابة، انت تعرف هذه الحقيقة ولكنك لا تراها فقد أعطيت ظهرك للمارة ولا ترى أحداً، ولكن كل التأمل في الدنيا لا يمنعك من ادراك أن المارة ينظرون بغرابة لانسان راقد على العشب وقد خلع قميصه، يكفيك في تلك اللحظة تعاطف الوردة التي تساقطت منها وريقة ثالثة
مرة أخرى ترسو في قاع نفسك حقيقة أنك لن تتغير، لن تتغير كثيراً على كل حال، بالرغم من كل التغير الذي سيلحق بك بالتأكيد، فتفكر في الكف عن مطالبتك لنفسك بالتغير، وتعاملها معاملة الأمهات الساذجات لأبناءهم، أفضل الأبناء وليس من مثيل لهم، وتعاملك نفسك أيضاً بنفس معاملة الأبناء للأمهات الساذجات: "التجاهل التام لرغبتهم الغبية في تشكيل أبناءهم"
ترفع حاجبيك بدهشة إذ أنك قد قمت من رقادك فعلاً لتخلع القميص ومع ذلك نسيت أن تلقي بالحصوة الصغيرة بعيداً، وكأن الحصوة أصبحت جزءاً من الموقف كله، خاف عقلك الباطن أن يزيلها فتفسد الحالة التأملية كلها، فمن ذا الذي يستطيع أن يجزم بدور تلك الحصوة الصغيرة في الموقف كله؟ أليس زراً واحداً صغيراً يستطيع أن ينسف مدينة؟
تزحف عليك برودة ليل "أكتوبر"، ولكن امعاناً في التشبث باللحظة تتغطى بالقميص المخلوع على صدرك ولا ترتديه فعلاً، تتمسك بلحظة أخرى على العشب قد يصعب تكرارها، إذا قد لا تجد تلك الحصوة الصغيرة مرة أخرى، قد تكون في المرة القادمة أصغر أو أكبر مما يجب
وبينما ذبلت الزهرة تماماً تنظر لأصابعك الفارغة وتفكر أن مشهدك ينقصه "سيجارة"، فالسيجارة دائماً شريكة لحظات التأمل العميق، لسبب لا تدريه، ولكنك لم تدخن سوى عدد محدود من السجائر في حياتك ولم تنجح أي سيجارة منهم في تحسين حالتك التأملية أو الفلسفية على كل حال، فتتعجب من الغرابة العامة للرابط بين الاثنين، ربما كان الناس يشعرون بالالتصاق اكثر بالحياة حين يجدون لوناً لأنفاسهم، لوناً ورائحة، لا يعود ذلك الرابط بينك وبين الحياة شفافاً من الممكن تجاهله، على العكس، هو موجود بشكل مادي، ربما تعجز عن الامساك به بالكامل ولكنك تصنعه وتعبث فيه بأصابعك فيتغير شكله وتراه صاعداً في رحلة لا تعرف مداها تنتهي بنفس العبثية التي تنتهي بها الحياة عموماً
شخص مسؤول عن شيء ما في الحديقة منزعج منك للغاية، فليس معك عاشق تختلس قبلاته أو لمساته المهربة فيستطيع أن يجلد لحظتك الحميمية بالحمية المناسبة دفاعاً عن الأخلاق، كما أنك لا تدخن فيستطيع أن يقتحم جلستك المريبة بحثاً عن رائحة مشبوهة، وفي الوقت نفسه جلستك التأملية تستفزه، مثلماً يستفز من أي شخص جالس لمجرد الاستمتاع بالحياة، تؤرقه الرغبة في أن يعرف حقيقة جلستك التي ينظر إليها المارة بغرابة، خاصة وقد تغطيت بقميص، آه، يتذكر الآن أنه من الممكن أن يتهمك ببعض الانحراف الخفيف لأنك خلعت القميص أو بعض الانحراف الشديد لأنك خلعتي القميص، المهم في النهاية أنه يجد الطريقة المثلى لافساد جلستك، وبالرغم من أن رغبة شديدة تنتابك في إغاظته والبقاء يعز عليك أن ينتهي احساسك بسبب حماقة حارس حديقة مسؤول عن شيء ما، فتنزل الساق من فوق الساق وتعتدل في رقدتك وتسحب نفساً أخيراً من الهواء الرطب، تستعد للرحيل عن المكان كله، ولا تنسى قبل ان تمشى أن تلتقط الحصاة الصغيرة وتضعها في جيبك ثم تزر القميص ... بمنتهى الهدوء.
لا يعني ذلك أبداً اطمئنان الحكماء الذي لا يفصح عما يعتمل في نفوسهم، وبرغم أن الشعور بالغرابة والاندهاش لا يفارقك، فأنت تستطيع أن تنام واضعاً ساقاً فوق ساق وتهزها ببطأ متأملاً الزهرة الحمراء التي تساقطت احدى وريقاتها بينما تشعر بتلك الحصوة الصغيرة فوق العشب والتي تمددت عليها، وحين شعرت بذلك كنت أكسل من أن تغير وضعك، لديك استعداد لتقبل وجود الحصوة الصغيرة تحت ظهرك وبعد دقائق تتناساها تماماً في خضم تأملك للورقة الساقطة من الزهرة الحمراء
ربما بالأمس كنت ستقوم وتبحث بعناية عن الحصوة السخيفة وتلقيها بعيداً وتعيد ترتيب جلستك كما ينبغي لتكتشف أن الجلسة الأولى كانت أكثر راحة وأن ورقة أخرى قد سقطت عن الزهرة المسكينة فأفسدت الحالة التأملية التي كنت فيها
لحظة غريبة على طابعك تكتشفها فجأة فتسطع في عينيك حقيقة أنك تغيرت، وتدرس التغير فتكتشف أنه نوع ما من النضج، فها أنت جالس على حصوة صغيرة وبالرغم من ذلك فأنت "على ما يرام"
تتذكر تلك النظرية الخاصة بانتحار الخلية، كل خلية بعدما تنقسم عدد ما من المرات تنتحر، هكذا بمنتهى البساطة، أوليس انتحارها ذلك أيضاً "نوع من النضج"؟
تهاجمك النظرية كالعادة في أهدأ لحظات التأمل وتكتشف أن مشكلتك الكبرى هي أنك دائماً حين تغرق في التأمل تطاردك الرغبة في الوصول للتعريفات فتلعن في سرك التعريفات، مثل شخص فقد القدرة على الاستمتاع بشعاع ضوء طالما لم يفهم بعد نظرية النسبية
تكتشف حماقة فكرة النضج وتفضل عليها فكرة "التغير" أو "التطور" بمعنى الوصول لطور جديد وليس بمعنى الوصول لطور أفضل، وتندهش مرة ثانية أن كلمة "التطور" تستعمل للدلالة على التحسن وتود لو حملت كل الكلمات معانيها الحقيقية فحسب
نسيت الحصوة والزهرة وفاجئتك رطوبة العشب، تخلع القميص وترقد بظهر عاري عليه لتشعر أكثر بتلك النداوة اللطيفة الخارجة من ري مرت عليه ساعات كثيرة، وينظر لك المارة بغرابة، انت تعرف هذه الحقيقة ولكنك لا تراها فقد أعطيت ظهرك للمارة ولا ترى أحداً، ولكن كل التأمل في الدنيا لا يمنعك من ادراك أن المارة ينظرون بغرابة لانسان راقد على العشب وقد خلع قميصه، يكفيك في تلك اللحظة تعاطف الوردة التي تساقطت منها وريقة ثالثة
مرة أخرى ترسو في قاع نفسك حقيقة أنك لن تتغير، لن تتغير كثيراً على كل حال، بالرغم من كل التغير الذي سيلحق بك بالتأكيد، فتفكر في الكف عن مطالبتك لنفسك بالتغير، وتعاملها معاملة الأمهات الساذجات لأبناءهم، أفضل الأبناء وليس من مثيل لهم، وتعاملك نفسك أيضاً بنفس معاملة الأبناء للأمهات الساذجات: "التجاهل التام لرغبتهم الغبية في تشكيل أبناءهم"
ترفع حاجبيك بدهشة إذ أنك قد قمت من رقادك فعلاً لتخلع القميص ومع ذلك نسيت أن تلقي بالحصوة الصغيرة بعيداً، وكأن الحصوة أصبحت جزءاً من الموقف كله، خاف عقلك الباطن أن يزيلها فتفسد الحالة التأملية كلها، فمن ذا الذي يستطيع أن يجزم بدور تلك الحصوة الصغيرة في الموقف كله؟ أليس زراً واحداً صغيراً يستطيع أن ينسف مدينة؟
تزحف عليك برودة ليل "أكتوبر"، ولكن امعاناً في التشبث باللحظة تتغطى بالقميص المخلوع على صدرك ولا ترتديه فعلاً، تتمسك بلحظة أخرى على العشب قد يصعب تكرارها، إذا قد لا تجد تلك الحصوة الصغيرة مرة أخرى، قد تكون في المرة القادمة أصغر أو أكبر مما يجب
وبينما ذبلت الزهرة تماماً تنظر لأصابعك الفارغة وتفكر أن مشهدك ينقصه "سيجارة"، فالسيجارة دائماً شريكة لحظات التأمل العميق، لسبب لا تدريه، ولكنك لم تدخن سوى عدد محدود من السجائر في حياتك ولم تنجح أي سيجارة منهم في تحسين حالتك التأملية أو الفلسفية على كل حال، فتتعجب من الغرابة العامة للرابط بين الاثنين، ربما كان الناس يشعرون بالالتصاق اكثر بالحياة حين يجدون لوناً لأنفاسهم، لوناً ورائحة، لا يعود ذلك الرابط بينك وبين الحياة شفافاً من الممكن تجاهله، على العكس، هو موجود بشكل مادي، ربما تعجز عن الامساك به بالكامل ولكنك تصنعه وتعبث فيه بأصابعك فيتغير شكله وتراه صاعداً في رحلة لا تعرف مداها تنتهي بنفس العبثية التي تنتهي بها الحياة عموماً
شخص مسؤول عن شيء ما في الحديقة منزعج منك للغاية، فليس معك عاشق تختلس قبلاته أو لمساته المهربة فيستطيع أن يجلد لحظتك الحميمية بالحمية المناسبة دفاعاً عن الأخلاق، كما أنك لا تدخن فيستطيع أن يقتحم جلستك المريبة بحثاً عن رائحة مشبوهة، وفي الوقت نفسه جلستك التأملية تستفزه، مثلماً يستفز من أي شخص جالس لمجرد الاستمتاع بالحياة، تؤرقه الرغبة في أن يعرف حقيقة جلستك التي ينظر إليها المارة بغرابة، خاصة وقد تغطيت بقميص، آه، يتذكر الآن أنه من الممكن أن يتهمك ببعض الانحراف الخفيف لأنك خلعت القميص أو بعض الانحراف الشديد لأنك خلعتي القميص، المهم في النهاية أنه يجد الطريقة المثلى لافساد جلستك، وبالرغم من أن رغبة شديدة تنتابك في إغاظته والبقاء يعز عليك أن ينتهي احساسك بسبب حماقة حارس حديقة مسؤول عن شيء ما، فتنزل الساق من فوق الساق وتعتدل في رقدتك وتسحب نفساً أخيراً من الهواء الرطب، تستعد للرحيل عن المكان كله، ولا تنسى قبل ان تمشى أن تلتقط الحصاة الصغيرة وتضعها في جيبك ثم تزر القميص ... بمنتهى الهدوء.
3 Comments:
اما حارس رخم صحيح
بس الارخم
انه علي طول موجود
وكأن لحظات التأمل النادرة العابثه اصبحت هي ايضا
ممنوعه
فالحارس(الام,الاب,المدير,الزوجه,......الشحات دائما موجود
:سقراط
أنا كنت شئ و صبحت شئ ثم شئ
شوف ربنا قادر على كل شئ
هز الشجر شواشيه وشوشنى قال
لابد مايموت شئ علشان يحيا شئ
عجبى
رغم إن صلاح جاهين كان قصده حاجة تانية ساعة ما كتب الرباعية دى ، إلا إنها لايقة على التدوينة دى و خصوصاً لأن النضج اللى بتقولى عليه بتموت فيه حاجات كتير علشان تحيا حاجات تانية ، المهم أنهى حاجات أهم؟؟
مش عارف ليه كلامى حيبان غريب بس أنا فى كل حتة بروحها بيكون فيه طوبة فى ضهرى وورق شجر بيقع قدامى
إرسال تعليق
<< Home