الجمعة، مارس ٢٨، ٢٠٠٨

لا تقتل، لا تسرق، لا تمرض


عزيزي المواطن: لا تكن بين السادسة عشرة والرابعة والعشرين وتسقط من مكان عال وتأتي لتصلح كسورك، خاصة لو كنت واعيا!

حتى تسمع صراخ انسان يتم جذب كتفه وجسمه في اتجاهين عكسيين لرد خلع الكتف بدون تخدير فأنت لا تعرف بعد معنى الرعب.

كنت أقول للأصدقاء إن الذكور المصريين لا يفعلون شيئا سوى أن يقعوا من أماكن عالية صباحا أو يُسقِطوا عليهم أشياء من أماكن عالية كنوع من التغيير، ومساءا يتعاركون سويا ويتسببون لبعضهم بجروح نافذة بآلات حادة. يأتون للمستشفيات فيصرخ الأطباء والممرضون ورجال الأمن فيهم ويزعقون ويتأففون من صراخهم المحموم. يُتركون في الممرات لأن لا بطاقات شخصية معهم – وهو خطأهم أن لم يحملوها معهم بينما يحملون "القصعة" ويصعدون السقالات رديئة الشد التي يسقطون من عليها. قد يأتي الضباط من القسم ويسبون أمهاتهم لو كانت هناك شبهة جنائية.

يشيع التمريض في الطوارئ إن الحالات تزيد حين أكون موجودة. أقول لهم إنه على الأقل في هذه الحالة لا يكون لديهم وقت للتعارك بالأيدي مع المسعفين – وهوما حدث قبلها بيوم حين تجمعوا ونائب الطوارئ وضربوا المسعف في معركة شوارع أمام باب الطوارئ الخلفي.

تأتي الأمهات برضع مرضى. مع حلول الساعة الرابعة مساءا لا يعود هناك أي مكان في قسم الأطفال، ولا مكان للرضع. كلهم مرضى بصدورهم. إحداهن تأخذها الطبيبة بدون أن تسدد الرسوم رغما عن التعليمات الإدارية لخشيتها إن الفتاة لن ترى الصباح لو خرجت، خاصة مع أمها محدودة الذكاء. الطفل المريض مسكين جدا، يكف عن البكاء والرضاعة والاستجابة ولا ينتفض حتى من الألم.

ينقلب التوك توك ويصطدم بسيارات وحوائط وبشر وغيرها. يقود التوك توك عادة ذكر تحت العشرين. في إحدى الحوادث يصاب الفتى و يسحبه زميل ويأتي به إلى الطوارئ ليدخل الصديق في سين وجيم وخناق مع الأمن والتمريض الذي يتلذذ باصطياد اثنين من الفتيان المساكين جدا، يهددونهم – بينما الفتى المصاب مازال تحت العلاج – بإنهم سيبلغون الشرطة التي ستأتي لتأخذ كلاهما. يبكي الفتى المسكين – المصاب - ويهرب بجلده خارجا دون أن يستكمل الاسعاف. "في ستين خرارة": يقول الملازم الذي حضر لاستلام محاضر اليوم. أنظر له وأقول إن الفتى لم يتهم أحد أصلا ولم يطلب الشرطة. يقول الملازم – الكبير في سن، يبدو إنه ضابط "مخلة" – آه، الموضوع لا يخصنا إذن.

ركبة الرجل معوجة تماما. شكلها غريب جدا. أسأل نائب الطوارئ: "تفتكر فيه كسر كمان ولا خلع في المفصل بس؟" يرد إنه من الصعب أن يكون مثل هذا الشكل الغريب مجرد خلع. ينزل نائب العظام. وجهه دائما مكفهر وخلقه ضيق. يصرخ الرجل فور أن يمس ركبته.

"لا يا دكتور، عايز بنج"

"مافيش بنج" – ويطرد زملاءه.

أطرد نفسي أنا أيضا. تعودت أن أطرد نفسي في أوقات معينة، حين أرى ما لا أرغب في تعلمه ولو من باب العلم بالشيء. لا أريد أن أتعلم كيفية رد العظام بدون مخدر ولا كيفية تقييد الأطفال ولا الخياطة بمخدر موضعي غير فعال ولا فحص ضحايا الحوادث بدون مسكنات.

أقابل المراهقين الصغيرين أصحاب حادثة التوك توك. يدفع الفتى زميله المصاب على كرسي ذو عجلات خارج المستشفى. أسأله عن اسمه. يبكي قائلا: "عبدالله". أقول له "سلامتك" فيبكي أكثر وتنزل دموع كثيرة. وأفعل ما وعدت نفسي ألا أفعله منذ بدأت ارتياد المستشفيات. أعطي لنفسي بعض الفرصة في البكاء بعد أن أخلع المعطف الأبيض الخانق في الحمام.

أرجوك يا أخي المواطن، لا تمرض ولا تصاب في حادثة ولا تقع ولا توقع عليك شيئا. أرجوك!

6 Comments:

Blogger karakib said...

التوك توك
رمز جديد لعصر جديد
يلي عصر الميكروباص مباشرة
بلا لوحات معدنية ينتشر و يتوغل يقوده اطفال ... لم و لن يعرفوا معني الطفولة ... بلا تعليم بلا علاج ... بلا اي شيء
حتي بطاقة هوية
و لأنه مافيش بنج
لما يتكسروا
ففي ترامادول و امادول و ترامال و كونترامال و الترادول
نالوفين و سايوبنتال
حاجات كلها بتخلي يومهم يعدي
او حتي ما يعديش
باحس انها مش فارقة معاهم

الجمعة, مارس ٢٨, ٢٠٠٨ ٤:٣٠:٠٠ م  
Blogger shiro said...

إلى كراكيب ...

لم و لن يعرفوا معني الطفولة

سامحنى .. بس إزاى بتحدد مين بيعرف و مين مابيعرفش معنى الطفوله ؟؟؟

الجمعة, مارس ٢٨, ٢٠٠٨ ٩:٣٢:٠٠ م  
Blogger karakib said...

شيرو
لن يعرفوا معني الطفولة .. يعني مش هيعيشوا طفولتهم ابدا
يعيش طفولته ازاي .. انه ما يشتغلش ما ينضربش و انه يتعلم .. مش بس يتعلم عربي و انجليزي و حساب ... لأ يتعلم كمان رياضة او اتنين .. ياكل اكل طبيعي يجد الرعاية الصحية اللازمة
----------
مثلا مثلا يعني

المبدأ الثامن
يجب أن يكون الطفل، في جميع الظروف، بين أوائل المتمتعين بالحماية والإغاثة.

المبدأ التاسع
يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جمع صور الإهمال والقسوة والاستغلال. ويحظر الاتجار به علي أية صورة. ولا يجوز استخدام الطفل قبل بلوغه السن الأدنى الملائم. ويحظر في جميع الأحوال حمله علي العمل أو تركه يعمل في أية مهنة أو صنعة تؤذي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه الجسمي أو العقلي أو الخلقي

المبدأ الرابع
يجب أن يتمتع الطفل بفوائد الضمان الاجتماعي وأن يكون مؤهلا للنمو الصحي السليم. وعلي هذه الغاية، يجب أن يحاط هو وأمه بالعناية والحماية الخاصتين اللازمتين قبل الوضع وبعده. وللطفل حق في قدر كاف من الغذاء والمأوي واللهو والخدمات الطبية.
http://www.hrinfo.net/docs/undocs/pcrc2.shtml


ارجو اني اكون وضحت قصدي

الجمعة, مارس ٢٨, ٢٠٠٨ ١١:٢٣:٠٠ م  
Blogger Christa said...

"أعطي لنفسي بعض الفرصة في البكاء بعد أن أخلع المعطف الأبيض الخانق في الحمام."



أندهش كثيرا من الحياة عندما أرى الأشياء التى وجدت لتريح تتحول لأشياء خانقة

لمستنى إنسانيتك و أسعدتنى جدا
و أعلم جيدا كيف يجدها البعض
بس ما يهمش... ما هو لو كلينا اتخلينا عن إنسانيتنا هيفضل مين؟

الأحد, مارس ٣٠, ٢٠٠٨ ١١:٥٧:٠٠ ص  
Blogger ghkholy said...

غالباً أنا فت ع المدونة دى من فترة،مرور سريع و غير مؤثر. غالباً دا نابع من إنى مش متآلفة قوى مع التكنولوجيا و ماعرفتش أوصل لبروفايلك و اعرف انا باقرا لمين. ما علينا.. المرة دى البوست كان شديد عليا قوى.. كل هذا الوجع.. انسانى جدا.. الله يكون ف عون الناس اللى لسة بيعرفوا يعيطوا.. الله يكون فى عونك. غادة http://kollshy2ok.blogspot.com/

الثلاثاء, أبريل ٠١, ٢٠٠٨ ٤:٣٠:٠٠ م  
Blogger محمود محمد حسن said...

والله عيني دمعت وانا بقرا البوست ده

الجمعة, ديسمبر ١٢, ٢٠٠٨ ٩:١٤:٠٠ م  

إرسال تعليق

<< Home

<
eXTReMe Tracker
Office Depot Coupon Codes
Office Depot Coupon Codes