الخميس، أغسطس ٠٩، ٢٠٠٧

ولاء ودعاء وإهاب وكل من عداهم

(1)

دُعَاء

كانت دعاء أول مريضة محترفة أقابلها. جاءتنا في المحاضرة العملية ثم رأيتها مرة أخرى في الدرس. دعاء في الحادية عشرة في الصف الخامس الابتدائي. دعاء مريضة محترفة منذ أن كان عمرها عام واحد واكتشفوا اصابتها بأحد أمراض تكسر خلايا الدم وما ينتج عنه من تضخم في الكبد والطحال. أعراض من أهم ما يجب أن يتمرن على اكتشافه طلبة الطب – من أمثالي.

ولأن دعاء كانت مريضتي المحترفة الأولى فقد كنت أنظر للتجربة بتوجس وخوف، خاصة إنها طفلة. استرخت دعاء تماما وتركت جسمها لنا نعبث فيه ما شئنا. بدا إنها تعرف أستاذنا معرفة شخصية، تنتقل للوضعية التالية قبل أن يطلب منها. أخذت القلم من يدي لترسم على سرير الكشف بينما نتحسس كبدها وطحالها المتضخمين ونفحص التورم في ساقيها. رسمت أشياءا لم أستطع التحقق منها. لإنها كانت المحاضرة العملية فقد انتهى كل شيء في دقائق ورحلت دعاء بعد أن أعطتني قلمي وأخذت نصيبها مما يأخذه الأطفال من حقيبتي – حلوى – ربحت بسببها ابتسامة واسعة فور أن رأتني في الدرس الخاص.

في الدرس تطول فترة فحص دعاء. ترفع ملابسها وتبدأ في تسلية نفسها بأي شيء بينما يمر الوقت. وبينما تنام على الطاولة في ذلك اليوم بدا إن دعاء اكتشفت لأول مرة إن ثدييها بارزان. كل البنات يكتشفن أثداءهن فجأة. ليسا ثديين في الواقع، بل بوادر نمو تظهر في بروز الهالتين قليلا. بينما استمر الأستاذ في شرح تضخم كبدها وطحالها راقبت دعاء التي يبدو إن أمر الهاتين البارزتين استلفت انتبهاهها تماما، مررت أصابعها عليهم ثم بدأت في ضغطهما باستغراب وهي تحاول توجيه بصرها لأسفل بينما هي نائمة لتختبر النتوء الجديد. بعدها حاولت أن تفحص الحلمات على ما يبدو، ثم استغرقت تماما في فحص صدرها باستغراب حتى لاحظ الأستاذ إنها تفعل. بدون أن يتوقف عن شرح تضخم الطحال مد يديه وأنزل قميصها عدة سنتيمترات. أشاحت دعاء بنظرها باحثة عن شيء جديد يسليها على المنضدة أو في وجوه الجالسين ربما.

(2)

إِهَاب

تذكرت دعاء حين فحصت أول مريض محترف في امتحان. حاول أن يخبرني علته وأعراضه فطلبت منه ألا يفعل. مساومات حول النقود. طلبت منه بحزم أن يصمت وأن يحترم الكشف. حاول التملص من خلع ملابسه، قائلا إنه لا يفعل. أخبرته ثانية إنني لا أريده أن يلقنني علامات مرضه وإنني أريد أن أكتشفها بنفسي ولن أستطيع أن أفعل لو لم يخلع ملابسه. يستجيب في النهاية متمما شيئا عن إنه يحترمني أو شيء من هذا القبيل. كنت أظن إننا في موقف خارج نطاق الاحترام ومثل هذه الأحاسيس الموجودة خارج حد الأخلاق الذي يقع خلفه التعليم الطبي.

يدخل الأستاذ الممتحن وقبل أن يشرع في سؤالي يلاحظ إنني كتبت الكثير، فيطلب مني أن أقرأ ما كتبت. أقرأ وأقرأ – كان صدر الفتى كتاب علامات كامل – أخبر الأستاذ عن الثديين الصغيرين الذين لاحظتهما في الذكر الشاب جراء الأعراض الجانبية لأدوية القلب التي يتعاطاها منذ أن كان طفلا. يذكرانني جدا بثديين دعاء الصغيرين، يشبهانهما، نتوء صغير هرمي غير مملوء بالدهن بعد يتميز ببروز واضح للهالتين. لا يسألني الأستاذ بعدها أي سؤال ويعطيني علامة ممتازة. أدس مبلغا في يد إهاب ينظر إليه ولا ينبس بكلمة.

(3)

وَلاء

لن أنسى ولاء لو أصبحت طبيبة على ما أظن. ولاء أول مريضة فحصتها وعرفت إن الباقي من حياتها سنوات على أحسن الفروض. أي ربما لا تعيش ولاء حتى أصبح أنا طبيبة رسميا. تعاني من واحد من أمراض التمثيل الغذائي. أمراض صعبة، اكتشافها صعب، علاجها صعب والسيطرة عليها صعبة. ولاء في السادسة عشرة وتبدو في العاشرة، ترفض أن يفحصها أحد لو كانت متعبة وتبتسم لي باستمرار. تسألني إن كنت سآتي لامتحان الأطفال، أرد إنني بالقطع سآتي، فتطلب مني لعبة. لا تطلب فلوس، إنما تطلب لعبة. تلوح بيدها من على السرير في آخر الغرفة بينما أفحص أنا مريضا في الامتحان في أول الغرفة. تعطيني إشارات صامتة بإنها ستقابلني في الخارج. تقول أمها: "أنا أم ولاء (الأبدومن)". أقول لها إن ولاء ليست فقط "أبدومن" وإن لها رأس ويدين ورجلين، فترد إنها الطريقة الوحيدة التي يعرفها الناس بها، فأسألها عن اسمها كاملا.

(4)

وكل من عداهم

أرسب في اختبار الأطفال بنقص علامة واحدة. أظن في البداية إن السبب ربما يكون في مراقبتي لاكتشاف دعاء لثدييها بدلا من التركيز على طحالها. تنجح بقية الشلة ما عدا زميلة واحدة تجمعني بها صفة مشتركة. تنجح بقية الشلة بالرغم من إنني حصلت على علامات أعلى منهم في الورقة. في رأسي تتزاحم ولاء ودعاء وسيد "الفالوت" وإهاب وخالد وأحمد وأساتذة أمراض النساء المستيقظين بصعوبة لاختبار الشفهي وأساتذة الجراحة المخيفين بسبب كل ما يعرفونه وأساتذة الرمد الذين يحاولون انقاذ نسبة النجاح في الدفعة، التزاحم أمام غرف الاختبارات الشفهية والإزعاج الذي لا يطاق، النساء الجالسات على الأرض في المستشفى حاملات أطفال تفرز أعينهم موادا مختلف ألوانها، رحلات العودة في الميكروباص وشرائط محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأغاني مرعبة القبح. تدور في دماغي بشكل قهري أغنية وطنية قديمة لمحمد ثروت ومدحت صالح يغنيانها في قارب في النيل. ركيكة وغير ملفتة بالمرة. تتكرر وتتكرر وتتكرر. أحس برأسي سينفجر. أتلو أهم المعلومات التي عرفتها في هذا الفصل الدراسي كقارئي الذكر لطرد العفاريت ووسوسة الشيطان. أكتشف مثلهم إن الذكر لا يزيد الشياطين إلا إلحاحا.

التسميات:

5 Comments:

Blogger whynot said...

و ما هى الصفة المشتركة !!؟؟
;)

الخميس, أغسطس ٠٩, ٢٠٠٧ ٤:٣٢:٠٠ م  
Blogger radwa osama said...

الله عليكى ده قصص قصيره مكتوبه بروعة واحساس نادرين ..ذكرتينى بسنة الدبلومة فى روند الاطفال ..ده المره الوحيدة اللى مريت فيها بحاجات شبه كده وحسيتها حاجه مهينة ان حد يتم استعراضه بهذا الشكل ..لكنها لم تحدث لى مرة اخرى.. اعتقد ان لازم يكون فى قانون يمنع ده ..وحاجة تانيه تتاح لطلبة طب التدريب عليهاغير الام البشر ..مش عارفه

الخميس, أغسطس ٠٩, ٢٠٠٧ ٦:٥٧:٠٠ م  
Blogger Amanie F. Habashi said...

يا حمدالله على السلامة
:)
استمتعت كثيرًا كالعادة بأسلوبك المتميز وتألمت كثيرًا لأحوال الصغار
وياترى ده معناه انك مضطرة تعيدي المادة كلها؟؟
طمنيني عليكي

الخميس, أغسطس ٠٩, ٢٠٠٧ ٧:٥٨:٠٠ م  
Blogger أحمد said...

كان محمد ثروت وهانى شاكر مش مدحت صالح
هيب نغلط في الرموز والاعمال الوطنية كدا

الخميس, أغسطس ٠٩, ٢٠٠٧ ٨:١٦:٠٠ م  
Blogger أحمد جمال said...

مدهش ! .. اللي كتبتيه مدهش بجد

الأربعاء, سبتمبر ٢٤, ٢٠٠٨ ١٠:٤٨:٠٠ م  

إرسال تعليق

<< Home

<
eXTReMe Tracker
Office Depot Coupon Codes
Office Depot Coupon Codes