نضج
وصلة الإنترنت لا تعمل كما يجب، فجأة وجدت نفسي في نيويورك معزولة عن كل شيء خارجها كنت اعتدت الاعتماد عليه في الأشهر الثلاثة الماضية: الفيس بوك والبريد والدردشة مع الأحباء. لا يسمح الوقت خارج البيت بالتسكع في المقاهي ذات الاتصال المجاني والمكتبة العامة لا تسمح لك باستعمال الانترنت إلا لخمس وأربعين دقيقة ثمينة على الأكثر في اليوم. في لحظة سريعة اختطفت نظرة من الفيس بوك فالتقطت حال عمرو عزت: "كأننا لم نخسر شيئاً يا رؤوف".
لا أعرف رؤوف ولم أقرأ الجملة إلا بسرعة شديدة فوراً لأن الطفلين اللذين اصطحبهما للعب كرة القدم كانا عند الباب بالفعل. طويت شاشة جهازي بينما ضغطت قبضة على صدري.
كنت قبلها بيوم في جلسة حوار طالت بدون قصد قال لي فيها أحد المرشدين: بإمكانك بالطبع أن تتجاهلي كل شيء ولكن فكري كيف ستنظرين للأمر بعد مرور عشر أو عشرين عاماً، غالباً ستقولين كما قالت (هي): "كان من الأفضل أن تختلف الأمور، لم يكن هناك داع لأن أخسر ذلك".
نعم يا سيدي، أحببنا الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً. نستيقظ في الصباح كأننا لم نخسر شيئاً، لم نفقد قدرتنا على البكاء مثلما فقدنا قدرتنا على الفرح، كأن الدافع للخروج من البيت ليس دفع الإيجار وتجنب قرح الفراش، كأننا لم نتألم حتى صارت سخريتنا فاجرة، كأننا ما نزال ندهن وجوهنا بالألوان لأننا نحب الألوان وليس لأن لدينا ما نخفيه، كأننا لم نتعلم بعد أن نرفض الشوكولاتة، كأننا لم نعرف بعد أن الانسان من الممكن أن يفقد شهيته للشوكولاتة، كأن شهرزاد ما زالت تحكي لأننا لم نطلب منها السكوت لأن قصصها ما زالت تطربنا، كأننا ما نزال نعتقد في الأنبياء ولم ندرك بعد أنه ليس من رسل ولا من ثورة وإننا لسنا مختارين من قبل السماء لتحقيق أمر كان تحقيقه يستحيل دوننا، كأن ما زلنا نؤمن وما زلنا نأمل وما زلنا نثق، كأننا لم نذق الخيانة ولم نعرف الفقد، كأن الالتماع في العينين هو نفسه الذي كان قبل سنوات كثيرة، كأن ما حول العينين ما زال نضراً ولم يكتس بعد بالسواد. أجل، أحببنا الحياة فارتدينا قناعاً يومياً ينطق بتعبير من لم يخسر شيئاً وكأننا لم نخسر شيئاً (يا رؤوف)!
كأننا لم نخسر شيئاً متسلحين بأنه لم يبق الكثير بعد لنخسره. نلتحف بحصون البراءة. لا يفضحنا إلا حزن مراهق لم يخسر شيئاً بعد وليس في حياته "كأنه". نؤدي الدور بكفاءة. ألا تفهمين يا سيدتي، لقد نضجت، قويت شخصيتي، لم أعد مراهقة بعد. لم يعد حزني يعني عدم الخروج من الفراش، بل سأخرج وأمضي في الحياة اليومية وأخصص للحداد على الخسائر عشر أو عشرين دقيقة في اليوم لا تعترض مسار حياة كأنها لم تخسر شيئاً.
التسميات: أوجاع، حاجات في الحياة
4 Comments:
وأنا أيضاً لا أعرف "رؤوف" و لكن يبدو أن لكل منا "رؤوفه" الذي نخبره أو نتظاهر أمامه كأننا لم نخسر شيئاً .......
كأننا لم نخسر تلك الحياة التى نحياها إلى عمقها بغير أن نفكر فيها ، نحسب لها ، نقلق منها أو نخشاها ، فقط نحيا و نحب لأننا نحب ، و دائماً نشعر بأن من نحبهم يبادلوننا حباً بحب بدون إنتظار للمقابل بدون حساب الربح و الخسارة ....
نفس القبضة ضغطت على صدري وأنا أسمع مقطوعة رحمانينوف التي أرسلها صديقي محمد عبد الرؤوف معلقا عليها: كأني لم أخسر شيئا.
http://www.youtube.com/watch?v=h7UZhorAki4
نتأرجح بين الإدراك الصافي لعزلة الذات ووحدتها وبين ذاتنا نفسنا المفرّقة في تجاربنا ومكاسبنا وخسائرنا.
أحيانا يبدو كأننا كسبنا شيئا أو خسرنا شيئا.
أحيانا أخرى: كأننا لم نكسب شيئا، كأننا لم نخسر شيئا.
جميلة المقطوعة يا عمرو
بتعبيرات اليوم: فظييييعة
كتب
اخبار الجرايد
تداول
ملخصات
روايات
اكسسورات
كوشات
قصات شعر
اطفال
فساتين اطفال
طبخ
السياحه
صور لاعبين
سيارات
ملابس شباب
افلام انمي
صور انمي
صور
مسلسلات
فنانين
برامج ماسنجر
تواقيع جاهزه
خامات
ملفات مفتوحه
برامج جوال
نغمات
رسائل
برامج الكمبيوتر
خلفيات كمبيوتر
العاب
العاب بلاستيشن
منتدى
إرسال تعليق
<< Home