الثلاثاء، سبتمبر ٢١، ٢٠١٠

ربما لم أمت ولكن أحداً لم يصور جروحي

من أوجه السخافة الشديدة في الحياة أن تسمع التعليق المتكرر "وإشمعنى ده يعني". خد عندك: "اشمعنى يعني خالد سعيد، مافي كتير زيه وده بيحصل كل يوم"

عارفين، صدقونا عارفين إن خالد سعيد مش حالة متفردة ولا أولى ولا حتى أخيرة وربما كانت أقل بشاعة من غيرها. نعرف أن من تعرضوا للتعذيب عانوا أكثر مما عاناه خالد سعيد أثناء عملية قتله لو تحدثنا عن الألم والعذاب النفسي ولكن من يلطموننا بكلمة "اشمعنى خالد سعيد" يتجاهلون أن قضايا الرأي العام التي يلتف حولها الناس لا تخدم أصحابها فحسب، بل ترسي فكرة.

لكن الأمر يختلف تماماً حين يكون سؤال "اشمعنى خالد سعيد" موجهاً من ضحايا التعذيب الباقين على قيد الحياة أو أحباء من ماتوا.

خالد سعيد مات. لا شيء مما نفعله "سيفيد" خالد سعيد بشخصه. ما يفعله المهتمون بضحايا التعذيب من دفاع وخناق للحصول على حقوق الضحايا الباقين على قيد الحياة مهم لأصحابه لرفع ظلم يودي بسلامهم النفسي وإمكانية ممارستهم لحياة طبيعية في كثير من الأحيان ومهم للمجتمع أيضاً لإرساء قواعد ترفض التعذيب قبل حتى أن نطلب معاقبة الجناة، وخالد سعيد ليس ضحية تعذيب بل تعرض لقتل عمد في أغلب الأمر، لا ندري إن كان مع سبق الإصرار أم لا واستغلال قضيته التي تصادف أن أثارت مشاعر الناس- سواء بسبب الصورة أو بسبب كون خالد سعيد من طبقة مختلفة عن الطبقة التي تتعرض عادة لمثل هذا الغبن- استغلال قضيته في تسليط للضوء على جرائم متكررة لجهاز أمن متوحش ينبغي الوقوف أمامه بكل الطرق لا يعني التخلي عن باقي ضحايا التعذيب ولا اعتبار "خالد" هو المستحق المنزه للتكاتف، خالد في نفس المنزلة وإنما تصادف أن قضيته نالت فرصة أن تكون ضوءاً كاشفاً لنظام تعفن بأكمله ومن لا يستغل هذه الفرصة تحت دعوى "اشمعنى خالد سعيد" يفوته الكثير مما يحرك البشر ويهز مشاعرهم ليتحركوا. واقع "الملهاة المأساة الإنسانية" ( أن قلة منا ستقلق راحتها وتنزل من البيوت لتصنع تاريخاً بدلاً من الذهاب إلى العمل ومطاردة لقمة العيش من أجل "مبدأ" أهين أو حق عام سلب، الجماعة تتحرك حين "تحس" والعاطفة لا تخلو من الكثير من المنطق على عكس ما نظن، في حالتها الرائقة النقية هي المحرك في الاتجاه السليم ولو عجزت عقولنا عن صف الكلمات المنطقية ونسج الفكرة كما في الكتب.

المؤبد أو السجن أو الإعدام لقتلة خالد سعيد لن يفيد "خالد" بشخصه - إن صح التعبير - في شيء، وحين نطالب بالعدالة لـ"خالد سعيد" فنحن في الحقيقة مهما أردنا التجمل نطالب بالعدالة لأنفسنا، فخالداً نفسه حيث لا يهمه عدلاً ولا ظلماً. في حياتنا الكثير من "الرموز" التي تفوز بحقوق لآخرين وبسابقة تقطع بسببها مسافات. لم يكن عماد الكبير أول من ينتهك جنسياً في قسم شرطة، كان فقط أول من ظهرت صورته فلطمت مشاعر الناس ولا يجعل هذا من معاناة من لم "يصوروا" ولم "يثيروا" مشاعر الناس أقل أو أن لهم حقوق أقل.

ليس المتحمسين لقضية خالد سعيد من النشطاء "مميزون" له عن ضحايا مماثلين لأن "شكله حلو"، بل متحمسين لفرصة تسليط الضوء واقتناص اخطاء استراتيجية، خاصةً أن قضايا قليلة تمتعت بكم العبث الذي تراكم فوق بعضه في محاولات بلهاء لترقيع ثوب مهلهل لم يخطر على بال أحدهم أن ثمة من سيراجعهم فيه.أما إن كانت الناس في الشارع والتي لم تكن تعبأ بقضايا العنف الشرطي من البداية اهتمت بخالد سعيد بدايةً لأن "شكله حلو" و"ابن ناس" فليكن. معظمنا في العادة صوان بلا شعور. مرت عقود الآن والنشطاء ضد العنف والتعذيب يحاولون إفهام الناس في الشارع أن وضعاً مرعباً يسود بلادهم والناس لا يفهمون، لو كان خالد سعيد هو وسيلة الإيضاح التي أفاقتهم من الغفلة فلا بأس. فلنختر خالد سعيد.

قبل بضعة أشهر صدمني واحد من ضحايا التعذيب بتبرمه من كل تلك الضجة والغضب الذان أثارهما شخص تعارك مع مخبرين "فضرباه قلمين " فمات بينما هو كسرت ضلوعه وصعق بالكهرباء وما يزال يعاني ألماً مزمناً. أدرك أنه من الصعب أن يقبل شخص مثله مبررات "اختيار" خالد سعيد ولكن جزء كبير من هذا الاختيار لم يقع بسبب النشطاء الأصليين في واقع الأمر، بل بسبب صحوة الشارع أياً كانت أسبابه.

رفقاً، لا داعي لسؤال "اشمعنى خالد سعيد"، فلنختر أي شخص ونصنع رمزاً دون أن نصنع صنماً ونضرب في أصول النظام الفاسد بما هو متاح، فليست لدينا رفاهية اختيار الظروف.

ما زلت متمسكة بصورة خالد سعيد على بروفايل فيسبوك لأنني أخشى قدرتنا المرعبة على النسيان. قررت أن أبقي تلك الصورة لعام لأرى أين ستكون أول قضية قتل علني من قبل الشرطة تنال اهتمام "الغالبية" بعد عام (و"أول" عائدة على الاهتمام وليس على القتل العلني). قتل في الشارع يوصف باقتدار إنه استعراض للقتل العلني والتحدي العلني أيضاً لمجتمع بأكمله اعتاد مرتكبو الحادثة أنه لا يهتم وعلى أحسن الفروض ينسى أسرع من أسماك الزينة.

ربما علينا أن نؤكد تكراراً أن قضية خالد سعيد ليست "خالد سعيد"، بل هي نحن وهي أيضاً كل الضحايا وإن شعروا بالغبن وكأن أحداً لا يهتم بهم لأي سبب كان، على الأقل تقديراً لمشاعر ضحايا تعذيب يعلم الله عددهم يشعرون بالتهميش والتجاهل، إنما الفرصة واتت مع خالد سعيد وسيكون من الحماقة تجاهلها، فالمساواة في الظلم في هذه الحالة ليست "‘عدلاً" وإنما المزيد من الظلم.

<
eXTReMe Tracker
Office Depot Coupon Codes
Office Depot Coupon Codes