السبت، أبريل ٢٦، ٢٠٠٨

مساء الخير يا مولاتي

شكرا لعمرو عزت لتحريره التدوينة
المحتوى قاسي وصادم. برجاء توخي الحذر. التدوينة قد تنفجر في وجهك. غير مصرح بها للحبالى والمرضعات.

إذا أراد أحدهم أن يدعي إن المرأة أخذت كافة حقوقها، أو تشجيع تسمية أنيقة ما مثل: "الحقوق الإنجابية"، فلينزل أولا ليشاهد كيف تمارس النساء بمنتهى الحقوقية مهمات الإنجاب، وهو ما لن يكون مناسبا للأسف لتعطيل اجتماعات المجلس القومي للحريم.

يقولون إن أحدا لا يصل لأي حق قبل أن يُعطى له هذا الحق في الغرف المغلقة. أتريدين أن تطلعي - يا من تظنين الأمومة منتهى الأمل - على حقيقة احترامنا للوالدة والأم التي نقيم لها مولد عيد الأم كل عام ، وجائزة الأم المثالية و"ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من مش عارف إيه وبالروح بالدم هنعمل مش عارف إيه برضه؟"
انزل للوالدة وشاهد احترام الأطباء والممرضين – والمارة أحيانا – لجسدها الذي يقوم "بالدور المقدس" الذي والتي هو الوظيفة الأساسية للمرأة " والأم مدرسة " ومثل هذا الكلام المخصص للاستهلاك المجتمعي للتحشيش الثقافي. قد يتأثر حجم التعبير عن هذا "الاحترام" بحجم الرزمة التي تضعها في كف طبيب التوليد، ولا يتأثر الاحترام نفسه، مثلما يتأثر حجم "الحشو" من المعلم في أدمغة الطلبة، دون أن يتأثر التعليم نفسه.

" ست الحبايب " – التي غالبا لم يرها زوجها بهذا الوضوح من قبل – تسجى عارية أمام من لم تختر من الناس. كم صورت السينما من مشاهد تسخر من الولادة؟ يحضرني نصف مليون مشهد في هذه اللحظة بالذات!
" الأغلى من روحي ودمي" يسخر القائمون عليها من جسدها المجروح أمامهم.

" صباح الخير يا مولاتي " : اخرسي بقى مش عايز أسمع صوت، لما أقولك احزقي تحزقي.

"الأم مدرسة إذا أعددتها" : يفحص الطبيب الوالدة شرجيا ليتأكد من سلامة الغرز الجراحية: "كده بنفحص عشان سلامة الغرز، أنا أدخل إيدي مرة ولمعي مرة" (ضحك في الخلفية).


" يا رب يخليكي يا أمي " : لمعي يجذب ساقي الوالدة يريد أن يبعدهما عن بعضهما بشكل مجنون. يتهمه الطبيب إن المشكلة في عدم ابتعاد ساقيها بشكل ملائم.

"قال من؟ قال أمك، ثم من؟ ثم أمك؟ ثم من؟ ثم أمك": لمعي يسخر من الطبيب: مش إنت قلتلي رجليها هي المشكلة أديني فتحتهالك أهه عالآخر".

" الجنة بين سيقان الأمهات " : ترقد الوالدة مفتوحة الساقين أمام البوابة التي يفتحها أي عابر من الخارج. لا يصرخ أحد فيهم إلا حين تحاول أمها الدخول.

"عشب تعمد من طهر كعبك يا أمي" : أكتشف إنني الأنثى الوحيدة المتواجدة معها بالصدفة. " كل سنة وإنت طيبة يا مامتى وبعودة الأيام " : شوفولنا مقص بس يكون حامي شوية.

" تفرحي وتتهني " : تتشبث الوالدة بذراعي: يا دكتورة، تعالي افحصيها مهبليا (أشد يدي بصعوبة شديدة من الوالدة المتشبثة بها والتي ترجوني أن أظل بجانبها. لامكان للطبيب بجانب الوالدة، مكانه الوحيد بين ساقيها).

" وفي عيدك نغني " : معاكي قسيمة جواز يا ماما؟ ما ينفعش تولدي من غيرها.

" ونضربلك سلاااااام " : يهوى الطبيب صافعا فخذ الوالدة المتعرى أمامه: بس يا مرة مش عايزين دلع ومسخرة هنا.

" بأغني للأمومة": تصرخ الوالدة بألم واضح، يتحدث زوجها عن رغبته في الزواج بأخرى على مسمع منها.

" وأقول الله يا أمي عالدفء والنعومة" : أسمع صوت الجلد ينشق تحت المقص.

لا تختار الوالدة في مصر الطريقة التي تلد بها: وكلما كانت أفقر كلما انعدمت خياراتها أكثر. تتعرض مائة بالمائة من حالات الولادة في مستشفيات مصر العامة للقطع الجراحي للعجان.

" ما أنساش الابتسامة" : الحمد لله. ربنا يعينكوا. ربنا يقويكو – تدعو الوالدة للأطباء.

" ومش هأنسى يا ماما الشخطة إل تعلم وما تهنش الكرامة" : ليه مش بتدوني بنج؟ - مافيش بنج، إحنا كدة هنا، مش إنسانيين (والكلمة الأخيرة سخرية مني شخصيا من قبل الطبيب، ولهذا موضع آخر).

" يا ست يا فدائية": يتحدث لمعي عن زواجه قبل شهرين. أتساءل من يا ترى من الناس سيشاهد زوجة سعادته وقد تموضعت أفضل مما تتموضع ليمتطيها سعادته، أو ربما يؤمن لمعي نفسه ويولدها بنفسه.

كان أحدهم يقول إن هناك صراع ما في نفس الرجل موضوعه الأم المقدسة التي تكاد تكون عذراء حقيقة – ولدته صحيح ولكنه حبل بلا "دنس"، وإن رغتبه في تلك الصورة يمتد أحيانا إلى زوجته. أظن إن أحدا لو عرف الحد الذي يستباح إليه جسد المرأة، وخاصة ما بين الساقين التي تتدرب منذ الطفولة على غلقهما جيدا بمنتهى الأدب سيغير رأيه تماما فيما يظنه عن إمكانية احتفاظ المرأة بحياء ما أو احترام ما لذلك الجسد نفسه. ما لا أفهمه أيضا هو إن تلك المرأة نفسها والتي تستبيح أيد غريبة مهبلها بمنتهى البجاحة، تعجز عن أن تقول لزوجها: امسسني هنا.

لن يعدم المرء طبعا واحد من حكماء الزمن ليقول إن المرأة لا يجب أن تنكشف إلا على المرأة وإن وظيفة التوليد وظيفة الطبيبات وإن هذا هي نتيجة التهاون في كشف العورات على الأطباء من الذكور. نقول للمذكور إنه من كثافة غمامة الحشيش الثقافي على دماغه لا يفهم إن انتهاك الجسد دون إذن لا علاقة له بكون المنتهك رجل أو امرأة، فما هو انتهاك أقل أن تصدر نفس التصرفات من طبيبة – وهو ما يحدث حقيقة، بل وما هو أفظع – وهذا المنطق في حد ذاته دليل على الهوس الجنسي، فمن كل ما سبق أحيانا لا يستنتج أحدهم من القصة سوى إن الفسق الذي أدى بالأطباء الذكور لكشف عورات النساء المغلظة هو المشكلة.
المعنى: ليس عند هؤلاء مانع أن "تتمرمط" الوالدة أي مرمطة طالمة كان مُمَرمِطة وليست مُمَرمِط! كأولئك الراكبات في عربة المترو المخصصة للسيدات اللاتي يعتقدن لإنهن سيدات أن من حقهن أن يستلقين بمنتهى البراح فوق العبدة لله !

اقتراحي هو أن نحتفل العام القادم بمولد عيد الأم بشكل مختلف وأكثر واقعية بأن تحكي الأمهات خبراتهن في الولادة بمنتهى الصراحة والموضوعية في مستشفيات مصر. لا نذيع أغاني ولا أمهات مثاليات ولا كلام مقفى، فلنسأل الأمهات وأنفسنا بمنتهى الصراحة: هل نكن أدنى احترام للوالدة كإنسانة ؟ هل لدينا أي احترام حقيقي للأم؟ هي نفس الأم على أي حال التي عورة اسمها وعورة نسبها وعورة تربيتها التي هي "تربية ستات".

آه يا منافقين يا أفاقين يا كذابين

أيها السادة من أطباء وطبيبات النساء: أنتم بحق سخام الأرض.

" مسااااااااااااااء الخيييييييير يا مولاتي " .



كلمات الأغاني: "صباح الخير يا مولاتي"، صلاح جاهين - "أمي"، محمود درويش - "ست الحبايب"، لا أعرف كاتبها.

الثلاثاء، أبريل ٢٢، ٢٠٠٨

كود بلو


مهداة لروح "عاصم" الذي لا يُعرف اسمه الحقيقي حتى كتابته

اليوم فقدت عذريتي الطبية وحضرت أول "كود بلو"، ما معناه مريض يحتاج إلى إنعاش. لم تكن مفاجأة إن هذا المريض هو واحد من العمال الذين يسقطون يوميا من فوق السقالات، ولكن عاصم كان سيء الحظ إلى حد إنه لم يستطع حتى أن يقع تحت يد دكتور علي الملقب – من قبلي – بالقوة الغاشمة. لم تكن بعاصم أي علامات حياة حين أتى إلى الطوارئ محمولا على يدي اثنين يعملان معه في نفس الموقع ولا يعرفان اسمه حتى، لا مهندس ولا مدير مشروع ولا إسعاف ولا أي شيء من هذا القبيل. عينه اليمنى متورمة جدا والدم ينزف من رأسه كله، من أنفه وأذنيه: ليست بعلامة جيدة على الإطلاق. يضع طبيب الطوارئ يده على صدر عاصم ما إن يدخل إلى الطوارئ فوق النقالة ويعلن "كود بلو". كود بلو يعني أن يتوجه أطباء وتمريض الحالات الحرجة للطوارئ لمحاولة إنعاش المريض. ما كان حظ عاصم سيكون أفضل لو كان قد وصل للمستشفى بين الحياة والموت، فالفوضى التي تم بها هذا المدعو "كود بلو" تدعو لليأس والرثاء. أطباء وطبيبات وممرضون وممرضات لا يعرفون كيف يؤدون إنعاش القلب ولا متى يبدلون أدوارهم. "كراش كارت" – عربة الإنعاش – ليس بها قطن ولا شاش ولا مدخل وريدي. تزاحم مرعب حول سرير عاصم وأناس يصطدمون ببعضهم البعض ويبحثون عن طريقة لنقله. كود بلو!

في خضم هذا التزاحم والفوضى وبينما لا أشارك في محاولة إنعاش عاصم وأهمس لطبيب الطوارئ: "ليس هذا إلا تدريب على جثة". لهذا – أشارك في تدليك القلب "بقلب جامد". إلا إنه في فترات ابتعادي خلف الجماهير أتأمل وجه عاصم. وجه مصري صميم، لعامل من عمال البناء، عمره 21 عاما ليس إلا. تملكني عجب شديد لهذا السلام المعدي الذي يعلو وجهه الراقد أمامنا وقد أقحمت فيه أنابيب التنفس وتورمت عينه اليسري جدا ودمه مازال يسيل من كل ما يمكنه من فتحات رأسه. تصف كتب الطب الشرعي ذلك السلام الذي يعلو الوجه عند الموت، إلا إن شيئا لا يعدك لتراه. من ذاك الذي قال إن شكل الجثث مرعب؟ لقد كان ذلك الشاب المسجى محطم الجمجمة نازفا أكثر الوجوه التي شاهدتها في حياتي سلاما على الإطلاق. أعرف من البداية إن الأمل في إنقاذه منعدم لإنني كنت سألت من أتوا به عن ساعة وقوعه تحديدا فأخبروني إن ذلك كان قبل ساعة. مع تكسر قاع جمجمته وكل تلك الحركات غير المحسوبة التي تعرض لها كانت فرصته في الإنعاش تشبه فرص إحياء السرير الذي سجي عليه هادئا، مسالما، مستسلما تماما بينما تقوم الدنيا حوله وتقعد بأقصى إنعدام ممكن للكفاءة. أشعر ببعض الرطوبة على ساقي لأكتشف إن دمه قد أغرق أسفل بنطالي وصندالي المفتوح بالإضافة للمعطف الأبيض. الدم ليس دافئا إنما فاتر. ليس من الحكمة أن ترتدي صندالا مفتوحا في مشفى.

أدخل إلى الحمام قذر الرائحة وأضع ساقي كلها تحت الماء والصابون وأتركه يجري مدة طويلة حسب الإجراءت المتبعة في حالة التلوث بالدم. أمسح ساقي وحذائي بالكحول وأكتشف إن رائحة الدم خانقة جدا.

بعد أن يعلن الطبيب المسئول وفاته أدخل وراء الستار لأتأمله للحظات. ما زالت ملامح وجهه المسالمة المرتاحة تأسرني. أرفع يده التي سقطت إلى جانب السرير. أتأمل يديه ورجليه اللتين تنتميان بلا شك لعامل مصري: متسخة ومتشققة، يرتدي فانلة شبه مهترئة ويربط بنطاله الذي يبدو واسعا جدا بالنسبة لجسده الصغير بسلك كهرباء بدلا من الحزام. بعد ساعات ألاحظ سلك الكهرباء هذا ملقى على الأرض عند باب الطوارئ.

يضع التمريض قطن وشاش في أذني عاصم وفمه وأنفه الذي ما زال ينزف من كل مكان. يثبتون رجليه في بعضهما ويعقدون يديه فوق صدره. ألاحظ حين أرفع رأسه جرح غائر بأعلى الرأس. أفكر في القاعدة التي تقول إن عشرة بالمئة فحسب من جرائم القتل تكتشف. أتساءل عن إمكانية أن يكون عاصم ضحية جريمة وليس مجرد سقوط عرضي. أظل أتأمله حتى يغطون وجهه بالكامل بالشاش والقطن، ثم يغطونه بالملاءة. ألاحظ إن كل هذه الاحتياطات لم تمنع دمه أن يستمر في النزف وينسال أسفل سريره.

كان على عاصم طبقا للقانون أن يظل في مكانه ساعتين بعد إعلان وفاته موصولا بشاشة قياس النبض وضربات القلب والأكسجين في الدم، وهو أحد الإجراءات المتبعة للتأكد من حدوث الوفاة. نغلق عليه الستار الرفيع ونبدأ في الحديث في محاولة أن نجعل الأمر يبدو طبيعيا. تحضرني بقوة قصة قصيرة ليوسف إدريس يحكي فيها عن حوار يدور بين طبيب وممرضة بينما ترقد جثة قتلها جراح مغرور بغروره في نفس الغرفة. لا أستطيع إزاحة القصة عن فكري. ربما لإن التشابه كان مفزع ورائحة الدم السائل أسفل السرير، ما لا يقل عن ثلاثة لترات، خانق.

أعود للبيت وعاصم في فكري لا أستطيع أن أزيحه: لا هو، ولا عبثية موته المبكر، ولا وجهه الذي يحمل سلاما سماويا لا يصدق. لا أستطيع أن أزيح من فكري أيضا إنه بلا اسم، مات بين الغرباء. مات لإنه عامل بناء أفقر من أن يكون في عمل بأدنى مستويات الأمان الشخصي.

لم يكن هناك من أحد لعاصم. أمشي مسافة طويلة على النيل أفكر فيه. حين أعود للبيت أوقد له شمعة وأقرر أن أتركها تنطفئ وحدها. هاهي شمعة حياته أمامي. أضع يدي عليها لدقيقة إكراما له لإنه مات وحيدا، بالرغم من إن وداعة وجهه الذي ودع كل ما حوله من ضجة وفقر وعمل غير آدمي يجعل الموت يبدو أكثر إغراءا من الحياة، ويفقد ما تبقى من الخوف منه. أفكر فيما إن كان من المحتمل إن روحه كانت تحوم حول فوضانا حول سريره وتبتسم بوداعة غير عابئة ولا مهتمة – لا أستطيع أن أتخيله يبتسم ساخرا من محاولاتنا البلهاء. السلام المرتسم على وجهه ليس سلام روح من الممكن أن تسخر.

تكاد شمعة عاصم تنطفئ. عاصم الذي قد يكون أحمد وقد يكون هاشم وقد يكون عبد البر وقد يكون وليد أو هو في الحقيقة كلهم. لن أنام قبل أن تنطفئ أمامي شمعة عاصم. لا أود أن أتركه يموت وحيدا مرة أخرى.

الأربعاء، أبريل ٠٢، ٢٠٠٨

يا سلام سلم، الفرخة مش عايزة تسلم


أو

هم يبكي وهم يضحك

أقف بجوار أحد المكاتب في غرفة الطوارئ ويدخل "زكي" الممرض الذي بدأت نوبتجيته مادا يده بما بدا لي إنه "شروع في مصافحة" فأمد يدي تلقائيا ليقول زكي بمنتهى البجاحة: "إنه ما بيسلمش على بنات" ويتجاهل يدي الممدودة "بالسلام" ويتضح إنه يمد يده لمصافحة الفتى الجالس إلى المكتب للخلف مني. أضحك ضحكة مكتومة وأقرر إن هذه نهاية تأخرت للمرحلة التي كنت فيها مصرة على مد يدي "بالسلام" – السلام، يا سلام، اتضح إن أحدا لا يلزمه السلام! – بمعنى: أن أمد يدي بالسلام هي هدية مني، مثلها مثل الابتسامة، ولن ألقي بقدسي بعد الآن للغنم.

كنت أنوي الكتابة بهذا الشأن قبل عدة أيام عندما حدثت واقعة إعلان زكي إنه "معلهش، ما بيسلمش على بنات"، وكسلت عنها، حتى تصفحت البديل اليوم في الحمام كعادتي فلم أصدق ما وقعت عيني عليه.

القصة باختصار هي إن في شيء هلامي بيشتغل مذيعة في قناة المنار رفضت أن تمد يدها لتصافح يد عمرو موسى الممدودة التي استقبلها بها قبل أن تجري حوار معه. أحاول أن أتخيل حجم الكِبْر والوقاحة وقلة الذوق وقلة الأدب وانعدام التمييز وبلادة الفكر والإحساس التي تجعل "عيلة" تظن نفسها إعلامية تتبجح وتتنطع إلى حد رفض يد ممدودة لتمنحها "سلاما"، ناهيك عن أن تكون تلك اليد يد دبلوماسي له وزنه مهما اختلفنا أو اتفقنا معه، بالإضافة لإن المذكور "ضيفها"!. يقول ياسر الزيات في عموده في البديل في الصفحة الخامسة بتاريخ الأمس الأول من إبريل إن عمرو موسى لم يفعل سوى أن رفض إجراء الحوار، وأن أرى معه – مع ياسر طبعا وليس عمرو موسى - إن هذا أقل ما كان يجب، وإن تلك "العيلة الوقحة" التي تربت على أيدي الذئاب غالبا في حاجة إلى درس أكبر من ذلك بكثير.

لا أنكر إنني بعد أن قرأت القصة صغرت في عيني قصة "زكي" وقصة أحمد عبدالله قبلها (وكل قصص من يمدون يدهم على امتعاض، وبتأذِ شديد)، وإن كان الرجل ربما يعرف في نفسه الهوس الجنسي فيرفض مصافحة النساء فخشي أن يصيبه مكروه وهو جالس إلينا نحاوره، والعيا مر كما يقولون. وتذكرت مع ياسر الزيات كاتب العمود كيف كانوا يعلموننا في الصغر أن نصافح بينما ننظر لمن نصافحه، وإنه من العيب حتى أن نترك يده ممدودة ولو لثوان قبل أن نسارع بمد أيدينا بالسلام. أما رفض المصافحة فكان يعتبر عيبة كبيرة في حق من يفعلها، تشينه، ولا يصح أن ترفض اليد الممدودة بالسلام ولو كانت يد العدو، إنما يبدو إن أحدا لا يرغب في السلام . أذكر أيضا إنني قرأت عددا لا بأس به من المقالات عن آداب المصافحة، وكيف إن على المرء أن يضغط اليد ناظرا لعين مصافحه ليرسل فعلا ذلك "السلام"، وفضيحة المصافحة بالقفاز والتي تعد من الكبائر لدى من يحترمون الآخرين، ووضع يد الآخر بين كفيك لتظهر تعاطفا أو دعما.

يقول ياسر الزيات أيضا إن الحكاية أصبحت "موضة" ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد لاحظ "ألِف" – غربية الكبير – إن الناس ليست لديها عادات مصافحة موحدة، فهناك من يصافح ولا يُقبل، وهناك من تتغير مصافحته مع مزاجه وهناك من يقبل من يراهم كل يوم، وهناك من هم مثلي لا يقبلون إلا المقربين إليهم أو من مر على فراقهم فترة ما، وهناك من يطبعون قبلة واحدة على الخد، أو قبلتين أو ثلاث أو أربع قبلات مطرقعة كما صعيد مصر. فاقترح ألِف صاحب الأفكار الشقية أن يعلق كل منا ملصق أو علامة على صدره تدل على طريقته في التحية فلا يحتار من يحييه (وإن كانت تلك الطريقة لا تخلو من مشكلات. فربما أجامل صديقة فأقبلها بينما ترى هي علامتي التي تدل إنني لا أقبل عادة من أقابلهم كل يوم فتحاول هي العكس). على أي حال هي طريقة جيدة لحل مشاكل التحية في هذا المجتمع الذي يزداد خبلا يوم بعد آخر في السراية الصفراء الكبيرة المسماة مصر.

مش هأوصيك يا ألِف على العلامة التي مفادها: "إن شاالله ما عن أهلك سلموا".

ولا ننسى أن نرسل واحدة منها للسيد عمرو موسى، عله تعينه على من يقابل من أنطاع.

<
eXTReMe Tracker
Office Depot Coupon Codes
Office Depot Coupon Codes