الاثنين، مايو ٢٢، ٢٠٠٦

يا مجمع الأحباب


ليس اليوم يومك

بالأمس أمام نيابة أمن الدولة بمصر الجديدة، تبدأ الأخبار في الورود من الداخل حول إفراجات محتملة. الشمس قوية بعض الشيء. تتعلق الأعين بخروج المحامين من الداخل وانتظار لمدة ثلاث ساعات. مع منال نأمل أن نسمع اسم علاء ضمن من أفرج عنهم. يخرج أحد المحامين بقائمة بها ستة أسماء، ليس من بينها "أحمد الدروبي" الذي أشاعوا إنه سيتم الإفراج عنه. شرقاوي من المفرج عنهم. الستة أسماء من أول دفعة تم القبض عليها. نسمع أيضاً أخبار بالإفراج عن فادي إسكندر وكريم الشاعر ممن قبض عليهم في السابع من مايو. الأقارب يقدمون طلبات زيارة في النيابة. منال تذهب لشراء زجاجات "مياه". كلنا نشعر بالعطش. لست أدري كيف في تلك الدقائق القليلة التي ذهبت فيها منال خرج المحامون وأعلنوا إنه تم التجديد خمسة عشر يوماً لكل الباقين بل وخرج المعتقلون في سيارة الترحيلات فعلاً. أهاتف منال بسرعة: "تعالي يا منال، تعالي". الهتاف المعتاد والتصفيق من داخل السيارة وخارجها، نسمع هتاف أسماء. تدخل منال للزيارة وتخرج بخطاب من علاء.

مد حبال الصبر

على عكس المرات السابقة يتوتر الموقف من جهة أمن الدولة، ربما لإن الوقت نهار وهتافنا يستلفت نظر السيارات المارة في الرابعة عصراً. يبدأون في الصراخ فينا وإبعادنا ويخرجوا مجموعة من ذوي الزي المدني فنتوجس تحسباً للضرب ويعلنون إن لديهم أوامر بالقبض على أي شخص!! يصرخون في المحامين لإبعادنا ... ضابط برتبة عقيد أو ما شابه. نعبر لرصيف الترام في المنتصف، لا نعرف إلا متأخراً إن السيارة ستمر من الناحية الأخرى حين نسمع الهتاف. أنظر للخلف فأجد منال تبكي. منى شقيقة علاء ومنال تبكيان على صدر الأستاذ أحمد سيف. والدة أحد المعتقلين على الناحية المقابلة من الشارع تسألني: "أنا ليَ إذن زيارة هأدخل ولا لأ". أخبرها أن تعبر بسرعة لإن الزيارات بدأت في الدخول، ترد: "بس دول طلعولنا بتوع الكاراتيه!". أعبر وأسأل الأستاذ أحمد سيف فيناديها لإنهم كانوا يبحثون عنها عند النداء على أسماء الزائرين.

حيث إفراج لا تعني انفراج

نبدأ في السؤال عمن أفرج عنهم. المعلومات المتاحة هي رحلة تبدأ بطرة ثم أمن الدولة ثم المديرية ثم ... ثم... لا نعرف إن كان "الإفراج الفعلي سيتم في اليوم نفسه أو اليوم التالي. نعرف لاحقاً إنه لن يفرج عنهم قبل اليوم الأحد.

الساعة الخامسة عصر الأحد منال تخبرني إن مكالمة أتتها من "مجهول" تنبئها بخروجهم الليلة من قسم قصر النيل عند منتصف الليل. نستنتج إنهم طلبوا من أحد المجندين الاتصال بها. تخبرني منال إنها تنوي الذهاب لانتظارهم أمام القسم. أنوي الذهاب معها بعد مكافحة الإرهاق المستمر منذ شهر تقريباً والمغري جداً بالبقاء تحت الأغطية واستكمال أربع وعشرين ساعة في نفس المساحة. نقابل صاحب الأشجار قبل الذهاب. يسأل: "فيه مكان إيه بيعمل أكل حلو أربعة وعشرين ساعة ناخد فيه شرقاوي؟" أسأله: "مش يمكن يكون عايز يروح البيت؟" "لو الواحد خارج من السجن يبقى عايز يروح فين؟". حوالي الحادية عشرة تبدأ مكالمات من المحامين تنبئ بخروجهم من أماكن مختلفة: كريم الشاعر من قسم المطرية. فادي على ما نظن من جابر ابن حيان مع عماد. يحتاج عماد لمن ينتظره. تذهب إليه الدكتورة ليلى سويف.

رصيف

فور وصولنا أمام القسم نشاهد سيارة ترحيلات تدخل الشارع. نستنتج إنهم فيها. فور أن يفتح الباب تنادي منال: "شرقاااوييييي". خمس نزلوا من السيارة بنفس لباس السجن الأبيض، مقيدين "بالكلبشات"، لا نعرف منهم شخصياً سوى شرقاوي الذي يقول شيئاً شبيهاً بـ: "إحنا كويسين" في عجالة. نشاهدهم يصعدون سلم القسم ويبدأ المخبرين والصولات في إبعادنا عن الباب. محاميهم معنا. "عشر دقائق وهيخلصوا"، لا أذكر صاحب العبارة. نتأمل المنتظرين على الرصيف حولنا لأقارب أو معارف ما داخل القسم. كهل في جلباب يتمتم شيئاً عن انتظاره منذ الحادية عشر صباحاً. آخرين يفترشون الرصيف أيضاً. نتعب من الوقوف وتجلس منال على الرصيف فنجلس بعدها. يصل محمد طعيمة. نسمع أصوات عالية تبدو وكأنها من داخل القسم فنصغي. طعيمة يتمنى لمنال: "عقبال ما تيجي تستني علاء" نبدأ في القلق بسبب تأخرهم. يخرج المحامي قائلاً: "طلبوا أكل". فنتأكد إن المسألة ستطول. يتطوع أحد أعضاء لجنة الإعاشة بالذهاب لشراء طعام. منال تخمن إنهم لم يأكلوا منذ تحركوا في العاشرة والنصف صباحاً. نتبادل عبارات قصيرة متعجبين من عدم وجود أحد في انتظارهم سوانا. كنا نظن إننا قادمين لاستقبال شرقاوي فحسب، فإذا بنا في استقبال الجميع!! نضحك منال وأنا على نكتة نتاج الساعات الطويلة التي قضيناها سوياً منذ حبس علاء. أشعر إن في داخلها شيئاً ما غير ما تبدي خوفاً على علاء. في لحظة أحس إنها تريد أن تبكي. متلاصقتين على الرصيف أسألها: "إنت كويسة؟". كانت قد صرحت لي بخشيتها: "إنه يحصلهم حاجة في أمن الدولة". أتذكر جملة كتبها علاء في مناقشة سابقة: "قاتل أبويا ما يستاهلش أمن الدولة". ينادوننا من الداخل ليسمحوا لنا برؤيتهم. يتبرم شخص ما في ملابس مدنية على باب القسم: "إيه ده يا متر؟ كل دول؟". كنا أربعة بينما هناك خمسة في الداخل. لم أفهم معنى "كل دول؟"

شرقاوي "الحار" دائماً ... في الثلاجة؟

نفاجأ بإننا نَرشَد إلى ما أظنه "التلاجة" أو حجز المباحث. كإننا تحت الأرض. إضاءة صفراء خافتة وفور أن نصل نَزْكَم برائحة بول. محتملة ولكنني لا أتخيل الوضع في الداخل. "ماشي يا مصر" - كما قال علاء. نعرف إن إفراجاً لن يتم اليوم. ضابط برتبة ملازم يبدو لطيفاً ينادي عليهم ليقابلوننا في الممر الضيق بين السلم وباب الحجز. شرقاوي أمامنا أخيراً. عرفت شرقاوي من المظاهرات. وبضع مرات في النادي اليوناني. حرارته في الهتاف واحمرار وجهه ونفور شرايين رقبته مشهد معتاد لأي من حضر مظاهرة قبلاً. حماسه معدي. أثر فيَ ما يكتبه من السجن. نسلم عليهم ويخبروننا إن الجميع بخير ومعنوياتهم مرتفعة. أميل على شرقاوي من فوق السلم الذي "انحشرت" فيه: "إنت واجع قلبنا بإللي بتكتبه من السجن". نبدو كلنا قريبين من بعضنا جداً في الممر الضيق تحت الدرج والذي يبدو إنه كان ممر يفضي "لقبو" في الفيلا القديمة التي احتلها قسم قصر النيل. الجو خفيف وليس متوتراً. شرقاوي يحكي شيئاً ضاحكاً عن عدم رغبته في الخروج ولو "بضرب المأمور". يبدو شرقاوي جميلاً في تلك اللحظة أكثر منه أي شيء آخر. يبدو إنه من الممكن أن تبدو جميلاً في ممر مظلم تحت درج يفضي إلى قبو معبق برائحة البول النتن، محبوساً بين من لا يؤمن جانبهم، مخذولاً ومعلق المصير.

الصورة لشرقاوي يوم اعتصام 17 مارس. استيقظ في السابعة ليهتف: "حسني بيه صباحك طين ... لسة هتحكم ست سنين"


يبدو الجميع في حالة نفسية جيدة. أفضل منا على أي حال. أسترق النظر إلى الداخل. نساء في الغرفة الخارجية والرجال على ما يبدو في الغرفة الداخلية. يفتح باب حجز الرجال. الكل يبدو عليه الفقر و"الغلب"، على الأقل بالنسبة لمعتقلينا في ملابسهم البيضاء النظيفة وأحذيتهم. بينما ألقي نظرة في الداخل أتذكر تدوينة قديمة لعمرو غربية اسمها كفاية طوارئ. أجزع. عادي. أنا أجزع من أشياء كثيرة. نسأل حمادة عن الامتحانات. لديه امتحان في الغد. وأقاويل عن ذهابهم لمديرية الأمن في الصباح. يحادثون أهلهم وأحباءهم على هواتفنا، يبدأ الضابط الذي يبدو عليه اللطف في استعجالنا. معاملته حتى مع المحابيس الآخرين مختلفة عن معاملة ضابط برتبة ملازم في المباحث. يقول: "انجز يا شرقاوي والله أنا لو حد نزل ليوقفني". نطلب منه خمس دقائق ،يلاحظ شرقاوي متحدثاً على الهاتف فيداعبه: "إنت بتحب يا شرقاوي؟" . أحزمة على الأرض في غرفة الحجز الخارجية. أستنتج إنها أحزمة المحابيس إذ يُخشَى منها في المعارك الطاحنة في الداخل. معاملة "الصولات" للمحابيس تبدو أسوأ. يخبرنا شرقاوي إن الضابط أخبره بشكل ودي إن حبسهم سيستمر ثلاثة أيام. يقولها شرقاوي بشكل تقريري دون جزع أو غضب أو مشاعر سلبية. نخمن: "ربما حتى الخامس والعشرين". أحد المعتقلين يطلب من منال الاتصال بمكتب حزب الغد لإخبارهم بإنه هناك. أفكر كيف سيمكثون ثلاثة أيام في ذلك المكان المُقْبِضْ. يبدو تماسكهم مذهلاً بالنسبة لي. يضحكون وكإنهم هم من يواسوننا. أحدهم يقول: "هنا غير السجن خالص ابقوا افتكرونا". تكفي الرائحة فقط. يخبرنا الضابط بضرورة الذهاب فعلاً. يأتيهم الطعام ونقود من لجنة الإعاشة وسجائر. محمد طعيمة يعطي نقوداً للمجندين. نودعهم بعد أن كنا نبحث عن "مكان بيعمل أكل أربعة وعشرين ساعة عشان ناخد فيه شرقاوي". يهمس شرقاوي في أذني بينما نودعه: "أنا عارف إنك متضايقة وطلعان عينك من ساعة ما اتحبسنا وفيه ظروف بس إحنا هنخرج وكل حاجة هتتحل". لا أعرف إن كان يقصدني أم شخصاً آخر. فأنا طلعان عيني فعلاً وأخباري مع منال ولكنني لا أظنه يعرفها. يبدو تشجيعاً غريباً في الاتجاه المعاكس. أحياناً: "تجري المياه في العالي". سأتذكر أن أسأله إن كان يقصدني أو شخصاً آخر لو أخذناه مكاناً "بيعمل أكل كويس أربعة وعشرين ساعة".

حركة كفاية؟؟؟

نصعد لنقابل "أحمد صلاح" المريض الذي لم يفرج عنه بعد أيضاً. يبدو في حالة جيدة. ضابط برتبة نقيب تبدو عليه السخافة ينادي علينا: "حركة كفاية" بينما نتوجه لأحمد صلاح. أنظر لأربعتنا السائرين في طابور وأسخر في داخلي. أربعة فقط في انتظار خمسة فتيان قضوا شهراً محابيس تحت اسم "كفاية". ثمانية فتيان يقفون في الممر أربعةَ على كل ناحية يبدو عليهم الفقر و"الغلب" مثل زملائهم في الثلاجة: ألا يَحبس سوى الفقراء؟ يبدو أحمد صلاح في حالة معقولة. نطمئن على صحته. يخبرنا بإن صحته تأثرت كثيراً إذ أضرب عن الطعام ثلاثة عشر يوماً. يبدأ الضابط السخيف في الصراخ في أشخاص آخرين والسؤال بآخر مدى حنجرته عن "محمد بيه". لا نمكث مع أحمد أكثر من دقيقتين. ربما يبقى وحده بسبب حالته الصحية في مكان أفضل تهوية من الثلاجة.

خارج القسم يخبرنا المحامون إنهم يتوقعون الإفراج في اليوم التالي وإن الأمر لا يعدو أكثر من "سخافة". يقول أحد المحامين شيئاً عن انشغال رئيس المباحث في قضية قتل أعجزته عن توقيع الإفراجات الليلة. مازالت الرائحة في أنفي.

الثلاثاء، مايو ٠٩، ٢٠٠٦

يا علااااااااااااء





أحاول أن أتذكر صاحب المكالمة التي أبلغت فيها باختطاف علاء ولا أستطيع. تبدأ المكالمات المتبادلة كما هو متوقع. منال صوتها متماسك بالرغم من أثر البكاء فيه. الساعات الأولى ومحاولة التأكد من أسماء المختطفين، ثلاث فتيات مختطفات من مظاهرة للمرة الأولى منذ بداية التظاهر. أبكي أحياناً وأتعامل مع الموقف بعملية أحياناً أخرى. مظاهرة أمام نقابة الصحفيين في السابعة. أثناء رحلة الذهاب أشعر بعجز وخوف شديدين فأهاتف ألِف المجتمع مع أصدقاء كي أقضي معهم بعض الوقت بعد المظاهرة. المظاهرة محاطة بعدد من جنود الأمن المركزي أقل من المعتاد مؤخراً وعدد من الرتب أكثر من المعتاد وقوفاً خلف صفوف الجنود. أنزعج كالعادة من الهتاف ضد الرأسمالية والعولمة في الوقت الخطأ. أسأل عن منال التي بقيت في البيت لإدارة الموقع وبعض المهام الأخرى. الدكتورة ليلى تبدو متماسكة أيضاً. الأستاذ أحمد سيف يتحدث عن علاء وعن باقي المعتقلين على السواء. أتذكر دعابة بيني وبين علاء حين كنت أقول له: "من مميزات معرفتك إنك بتحطني في مواقف بالكامل جديدة علي". كنت أضحك. موقف آخر جديد علي، طرف فيه علاء. صديق قضيت الوقت في بيته والآن هو في محبسه بينما أمه التي طلبت من الضباط اعتقالها معه في الصباح وأباه الناشط السياسي الذي تعرض للاعتقال سابقاً متماسكين يتعاملان مع الموقف كأن كل المعتقلين علاء.

أجلس على الأرض بجوار ألِف بينما يحاول تصميم اللافتة التي ستوضع دعماً لعلاء. نفاضل بين المواقف المختلفة لعلاء في الصور المتاحة: علاء مهندس الكمبيوتر


أم علاء الانسان مداعباً أماني طفلة الشارع،


أم علاء يخرج لسانه لأمن الدولة

وصورة شاعرية جداً لعلاء على النيل تحت أضواء القاهرة في الليل.

يستبعد ألِف صوراً غير واضحة وصور أخرى لا تصلح، نستعرض في الطريق الأخبار التي نشرت عن الاعتقالات.

وينتهي اختيار ألف للصورة الرائعة لمنال وعلاء معاً وعليها كلمات: "خلوا علاء يرجع لمنال". يبدع ألِف كالعادة


أمام نيابة أمن الدولة الساعة الثانية عشر ليلاً، بعض رفقاء المعتقلين وبعض من عائلاتهم. المحامين في الداخل معهم. والدة احدى المعتقلات تبكي على الرصيف. الموقف كله يتأرجح بين البكاء والفكاهة والثبات وادعاء الثبات. على الكمبيوتر المحمول لمحمد سمير أشاهد صور جديدة لعلاء، أوضح بكثير من تلك التي كنا نبحث فيها ألِف وأنا.

الشارع محاط بالكامل بالحواجز المعدنية الخاصة بالمرور. فجأة تظهر فتاة أنيقة داخل سيارة تحاول عبور الشارع. تخرج من السيارة وتطلب من الجنود أن يفسحوا الطريق لها لتمر، ينظر الجنود لها باستغراب. تتحدث بتحد مع ضابط. تقرر إيقاف السيارة في شارع آخر وتعود على قدميها لتحاضر الجنود وضباط حديثو الرتب حول خطأ ما يفعلونه. تخبرهم إنهم بهذا الشكل يشجعونها على الوقوف معنا. أحد الضباط المسئولين في ملابس مدنية يسألها عما تريد وإن كانت قد نجحت في ركن سيارتها. نجيبه نحن إنها تسأل عن أسباب احتلالهم للشارع. ضابط برتبة نقيب يبدو صغير السن (رتبة النقيب تسمى حالياً "جراج الضباط" إذ يبقى فيها الضابط في الظروف الطبيعية حوالي اثنتي عشرة عاماً)، يقول للفتاة الأنيقة: "انتوا إللي بتضطرونا نعمل كدة عشان بتجروا على الناس" أو شيء من هذا القبيل. أدير وجهي الناحية الأخرى وأتسائل: "جاي مع مين بتاع انتوا إللي بتضطرونا تعملوا كدة ده؟". رغم ذلك يدهشني فارق المعاملة من الضباط حول المحكمة مقابل المعاملة في المظاهرات وكلمات: سامي سيدهم: "لو ما اتربتوش مالكوش عندي غير كعب الجزمة القديمة" تدوي في أذني. أنظر إليهم فأتسائل – لأسباب شخصية بحتة هذه المرة – هل هم حقاً مختلفون عن أولئك الذين يحيطون بالمظاهرات أم إنهم فقط ليسوا "مأمورين" بقمعنا في هذه اللحظة بالذات. أحار في الإجابة.

يخرج المحامون ومعهم الأستاذ أحمد سيف والد علاء الناشط اليساري القديم ويخبروننا بما هو متوقع: خمسة عشر يوماً بعد أن رفض المعتقلون التحقيق معهم وطلبوا انتداب قاضي تحقيق لضمان حياده طبقاً لنصيحة المحامون. يخبروننا أيضاً بما هو غير متوقع: حالتهم المعنوية مرتفعة وكلهم بخير. منال مازالت في الداخل تحاول رؤية علاء ولو لدقائق. يسمح حاجز الأمن للأم والأب الملتاعين بالمرور بالرغم من رفض ابنتهم الزيارة. ويا ليتهم ما سمحوا لهم بالمرور تعدياً على حق معتقلة في رفض الزيارة.

فور أن نرى بداية الترحيل إيذاناً بخروجهم نجري إلى الباب الذي يخرجون منه ونبدأ في الهتاف بأسمائهم "فاااااااااااااادي، أسماااااااء، علااااااااااااااااااء .....". يرفع بعضهم أيديه بعلامة النصر ويهتفون: "يسقط يسقط حسني مبارك"، نبادلهم الهتاف والتصفيق "حرية حرية". يحدث ما لم يكن في الحسبان. يبدأ والدي المعتقلة في الصراخ فينا وسبابنا حين يشاهدوننا نهتف: "ما تضيعوهمش معاكوا، انتوا السبب"، "يخرب بيت أهاليكوا يا صيع" وينتهي "بحسبنا الله ونعم الوكيل فيكم". تصرخ فيهم فتاة: "فيهم مش فينا". أتخيل حالة ابنتهم المعتقلة بينما تختزن هذا المشهد كمشهد أخير قبل دخول التجربة الصعبة الجديدة. تامر وجيه يمنعنا من الرد عليهم ويقول بينما تتحرك سيارة الترحيلات بالهتافات داخلها: "يسقط يسقط حسني مبارك" "خلاص يا جماعة، خلاص كفاية". يتجمع الجنود ومجموعة ضباط تحسباً لأي احتكاك. تنتظرني مفاجأة أخرى بشأن الفتاة لاحقا. نحاول العبور للجهة الأخرى لمشاهدة سيارة الترحيلات التي توقعنا أن تذهب بهم لطرة فيكون عليها العودة من الاتجاه الآخر. يعبر معنا ضباط ولا يحتكون بنا. نكتشف إن سيارة الترحيلات لن تسير من ذلك الطريق، ربما بسبب عبورنا. يتحرك الضباط والجنود عائدين فنفهم إن السيارة لن تعبر من هناك فعلاً. جميلة اسماعيل المتواجدة تخبرنا بإنهم ربما سيعبرون من الميدان فنجري لعلنا نراهم مرة أخرى. نجري إلى سيارة على ومنال بداخلها لنحاول تتبعهم، ننتظر كثيراً ولا يمر أحد. نكتشف السبب في اليوم التالي، إنهم قد رَحِلوا لقسم الخليفة ليقضوا فيه الليلة ومعظم اليوم قبل ترحيل الفتيان إلى طرة المحكوم والفتيات إلى سجن النساء بالقناطر. إحباط جديد. تطلب مني منال المبيت معها فنذهب بسيارة على ومعنا شقيقة علاء التي تبدو في حالة معنوية مرتفعة. في السيارة نحكي لمنال عما حدث من والدي زميلتنا المعتقلة فتفاجئنا إنهم حين دخلوا إليها في النيابة أشبعوها تقريعاً وتهديداً بما سيفعلونه بها بعد أن تخرج. أشعر بغضب خانق وأتبرم من تلك العلاقة الأنانية التي تربط الأهل بأبنائهم. أتخيل حال الفتاة بينما يعايرها أباها وأمها بإنها "فضحتهم"، تحاول الموجودات تشجيع الأم والأب بتذكيرهم إن اعتقال ابنتهم إنما "يشرفها". رغماً عني تتداخل في ذهني معاني "الشرف". أعلن غضبي في السيارة حين تخبرني منال بإن الفتاة بعد أن كانت في حالة معنوية مرتفعة مع زملائها وهي على السلالم ساءت حالتها جداً. تدور بذهني حيرتي المستمرة بشأن تلك العلاقة التي يتورط فيها كل البشر: البنوة. تخبرنا منال إنها لم تستطع مقابلة علاء إلا لدقيقتين فحسب.

في بيت علاء ومنال لدى منال مهمة الوصول لصور للمعتقلين لنشرها في الدستور. نمر على كل صور المظاهرات التي جرت في العام ونصف الماضيين. أتعجب كيف انخفض عددنا من مئات إلى أربعة عشر وخمسة عشر متظاهراً. أجزع قليلاً حين تمر صور علاء، خاصة صوره خارج المظاهرات ضاحكاً أو شقياً كعادته. تبدأ منال في مراجعة التعليقات التي تصل لموقع منال وعلاء. أشاهد جزعاً وشبه دمعة على وجهها حين تقرأ تعليقاً لأحد السفلة وتسألني أتضعه أم لا. أقول لها إن دناءته ستشجع الآخرين على الرد عليه. أسأل منال كل حين عن حالها وإعجابي بشجاعتها. تخبرني إنها لا تظنها شجاعة بقدر ما تظن إنها لم تستوعب ما حدث بعد، وإن أقصى مدة بقيتها بعيداً عن علاء هي ثلاثة أسابيع وكانت حدثاً بالنسبة لهما وكانت قبل أن يتزوجا. تؤجل النوم حتى تنتهي من مهامها على الحاسوب. العشاء والشاي بلبن "المخصوص" الذي تعده منال لنفسها ولا يستطيع أحد اعداده لها.

بعد تأجيل نقرر دخول الفراش، أسألها في أي جهة تنام عادة. أنظر إلى وجهها في الظلام وأتمنى ألا يحاول عقلها الذهاب إلى حيث الحبيب. بعض الوقت واستنتج من انتظام تنفسها إنها نامت، بينما أنا كالعادة لا أنام سريعاً. ولإنني أتقلب في الفراش أكثر من سيد حصالة بكثير أقرر استعمال الأريكة في الصالة خوفاً من إيقاظها وحرمانها من ساعتي نوم لا نعرف متى ستستطيع الحصول على غيرهم.

منال كما عرفتها شخص سعيد الروح. ليست مرحة فحسب، إنما تبدو دائماً غير حاملة للهم، كإن روحها غير قابلة لحمل الهموم حتى لو أرادت. ربما لذلك مازالت صامدة وتتصرف بشكل عملي حقيقي يساعد علاء الذي نعرف كلنا قوة علاقتها به. نوع من القوة أظنه نادر. روحها خفيفة وصعب إزعاجها. أتعجب مما استطاعت أن تنجزه لمساعدة علاء في يوم واحد كان توقعي أن تكون محطمة فيه. نوع من القوة أكاد أحسدها عليه. نحاول أن نقنعها في اليوم التالي ألا تبقى وحدها في البيت ولكنها تصمم إن حياتها لابد أن تسير بشكل طبيعي. تضحك معنا أحياناً حين نضحك.

على الأريكة لا أستطيع الكف عن التفكير فيهم بينما تصر القطيطات الصغيرة المولودة حديثاً على اللعب في غطاء الفراش الواقع بين رجلي والتمرغ فيه. لست قلقة على علاء بقدر ما أنا حزينة أن يضطر للمرور بموقف صعب. أتذكره حين قال: "لازم لما الواحد يبقى له عمل سياسي يبقى مستعد إنه هيتحبس ويضرب ويغتصب". دائماً ما يناقش الأمور من وجهة نظر عملية. حار في المناقشة. قبل يومين كنا نجلس هادئين في منزله فخرج من الغرفة ضاحكاً: "ناقشيني في أي حاجة عشان أتخانق معاكي". كثيراً ما تتطور مناقشاتنا لمعارك حامية. لا يستطيع أن يعيش بلا قضية.

عرفته صريحاً إلى حد الوجع، طيباً جداً على عكس ما يظنه من لا يعرفه، بسيطاً وتلقائياً. قادر على التركيز في المناقشة بشكل مزعج إذ لابد أن تشحذ كل قدراتك الذهنية لمناقشته ولا تتوقع أبداً إنك في نزال سهل إذا قررت النقاش معه. حنون على القطط التي تملأ منزله. ينهرنا حين نخبره إن القطط تستطيع العيش في الشارع حيث إن إحدى قططه ذات عين واحدة قائلاً: "هتبقى في خطر لإنها مش شايفة نص الدنيا". عرفته نزيهاً ليس لديه ما يخفيه. انسان غني وليس مجرد عابر في الطريق. قبل أيام في مظاهرة يقول: "أنا بأحب مدونات بنات المنصورة وإي زي وزبيدة – البنات المبدعين يعني" ثم ناظراً إلي كأنه تذكر: "وانت طبعاً يا باشا". قبل اختطافه بيوم أقضي أمسية مع مجموعة من المدونين من بينهم علاء. يتطرق الموضوع في السيارة لقائمة كنت أكتبها لـ "خمسون شيئاً سأفعلها قبل أن أموت". نتضاحك و أقول له لن أخبرك إذن بواحدة من الأشياء التي كتبتها فيها. يشجعني قائلاً: "قولي ولو حاجة أبيحة مش هأذلك بيها". أخبره إن القائمة ليس بها "أي حاجة أبيحة". فيضحك: "قبط، شغل كفاتسة، كاتبة خمسين حاجة مافيهمش حاجة أبيحة؟". يضحك مصطفى حسين بدوره: "مش كفاتسة يا عم هما الستات كدة، ممكن يكتبوا خمسين حاجة مافهمش ولا حاجة أبيحة". نضحك كلنا.

عرفته نشطاً يفعل كل شيء بحماس: العمل واللعب والعراك. ضحكته مميزة ورنانة. لا أخشى عليه من الحبس وأتوقع أن يخرج أقوى مما دخل. يشاهد أخي قلقي فيذكرني بهذه الحقيقة: "سيخرجون أقوى مما دخلوا، وأقدر على الفعل مما دخلوا"

علاء يا صديقي: نحن في انتظارك. سندخل بيتك قريباً وأنت فيه.

أتخيلك ستتكيف مع الحبس من اللحظة الأولى وتبدأ في التوعية السياسية للمساجين.

لا أعرف لماذا أتخيلك مستيقظاً بعد نوم عميق في يومك الأول في الحبس حاكاً صدرك متساءلاً: "إيه النظام بقى هنا يا اخوانا؟"

تركت منال اليوم ومحاولات استخراج تصريح الزيارة مستمرة.

خلوا علاء يرجع لمنال

Egypt

الإفراج عن جميع المعتقلين يا دولة المعتقلات والزنازين

قائمة المعتقلين في الدفعة الأخيرة
1- علاء أحمد سيف الإسلام
2- فادي إسكندر
3- كريم الشاعر
4- ندى القصاص
5- رشا عزب
6- أسماء علي
7- أحمد عبد الغفار
8- أحمد عبد الجواد

آه يا حكومة ما تختشيش

الاثنين، مايو ٠٨، ٢٠٠٦

Release Alaa Seif



Let Alaa return to Manal


Alaa Abd El-Fatah was arrested today together with around ten more activists during a non-violent demonstration in solidarity with sixty activists who were arrested over the past two weeks in a non-violent sit in as well. The groups arrested before were held in custody for two weeks under investigation for "crimes" that - if anything - would raise only mockery, including: insulting the Egyptian president, possession of "publishing equipment"(graffiti spray) and blocking traffic. The first group of activists arrested two weeks ago was supposed to have their cases reviewed by prosecution today, so as to release or renew holding them under investigation. In solidarity with them 200 lawyers approached as a defense council, a number of judges, and a number of activists among whom were Alaa and his colleagues gathered around the court house. Authorities denied the activists entry to the court house, in addition to attempting to present the "detainees" files only, and not the detainees themselves to prosecution. For hours, Alaa and his fellow activists shouted slogans against the government, sang and showed solidarity with their detained fellow activists. At the end of the demonstration police forces surrounding the group increased, refused to let them leave and started picking those to arrest, Alaa and ten others. They were taken to the nearby police station were they were denied lawyers, or any visitors. Lawyers are now standing outside the station just monitoring in case the arrested activists are taken somewhere else, which is exactly what happened. Three of them were taken blindfolded to another police station and were released later.

The latest attacks of Egyptian authorities rose to squash public support for the demands of Egyptian Judges for complete independence of the judiciary authority, which had the executive authorities interfering with its work for decades to forge elections, detain opposition leaders and punish voices that rise against decades of ruling under emergency law. Egyptian judges also demanded an investigation in the forgery of last elections. To shut them up, in a step with illegal procedures, the Egyptian government, represented by the Egyptian ministry of justice, referred two of the judges leading the movement to the validity committee. Judges had an open sit in in their club (syndicate) for weeks now, the sit in that was supported by another sit in by Egyptian activists from Kifaya (enough), Al Horreyya Alan (freedom now), El Ghad party in addition to other movements and independent individuals outside the judges syndicate. For three days in a raw, police forces, assisted by thugs, attacked the activists sit in late at night, brutally beat the demonstrators and each time arrested a group of the demonstrators. At the first night: April 24th, police forces brutally beat up a judge, a court president.

60 activists were arrested in these attacks: among them
Malek Mostafa
, Mohammed Sharkawy and Mohammed Adel who are fellow bloggers. Mohammed Adel is a minor and is held in a regular prison facility. The arrested group has started an open hunger strike in solidarity with the demands of the Egyptian judges and in protest for the continuity of their detention.

Alaa is one of the most active people working to support the blogosphere in Egypt. Coupled with his wife manal, their"Bit Bucket" is the aggregator collecting almost all Egyptian bloggs. He is one of the people that the Egyptian blogosphere success and latest wide spreading is indebted to.

The prosecution decision last night concerning Alaa and those detained with him was also holding them for 15 days under investigation, while the first group arrested that had its case reviewed by prosecution today after spending their 15 days under interrogation was to hold them another 15 days under investigation, which is a sign that the activists are not going to be released soon, as the decision is expected to be the same for all those detained under interrogation.


الثلاثاء، مايو ٠٢، ٢٠٠٦

المدونة محتجبة حتى خروج المعتقلين


*

المدونة محتجبة إلا لأخبار المعتقلين لحين خروجهم
اللافتة من موقع منال وعلاء *

إحنا معاك يا مالك ... مع إننا مش معاك
أتذكر صباح القبض على الدفعة الأولى حين قلت: "للدرجة دي الناس جدعان ورجالة؟" اعتراضاً على عددنا القليل؟

أعرف إنك بعد أن تخرج من الحبس ستحكي عنه بنفس الحماسة ونفس الطفولية

نحن في انتظارك

"أخبروهم إننا لسنا يائسين وإن أرواحنا حرة، واطلبوا من أمي ألا تبكي"

<
eXTReMe Tracker
Office Depot Coupon Codes
Office Depot Coupon Codes