شوفولنا مقص - بس يكون حامي شوية
"شوفولنا مقص، بس يكون حامي شوية"، ست كلمات لن أنسى نصها أبداً ولا المكان الذي سمعتها فيه،
عمري عشرين عاماً، في كلية الطب، في المستشفى الجامعي، أحضر ولادة طبيعية، حيث الوالدة غير مخدرة ولا حتى تحت مسكنات للألم. قالتها الطبيبة القائمة على الولادة وهي واقفة بين رجلي المريضة المعلقتين إلى السقف برباطين من شاش، والطلبة يراقبون أستاذتهم ليتعلموا منها. كنت وراءها بمسافة وسمعتها بوضوح، وسمعتها مريضتها طبعاً. لقد تركت الغرفة بعدها لأنني لم أتحمل البقاء بعدما سمعت الأستاذة تنادي أحداً لأيتيها بمقص "حامي شوية"، وللعلم، المقص لم يكن لقطع الحبل السري، بل كان لشق العجان لتوسيع قناة الولادة، لقد خرجت لأنني أستطعت الخروج، لأنني رجلي ليستا معلقتين إلى السقف برباطي شاش، ومضى علي في ألم مضني أكثر من عشر ساعات، وحدي في هذا العذاب بين أناس لا أعرفهم وليس بينهم وجه مألوف، وأشعر بأن داخلي يتمزق، ثم أسمع بأذني أنه سيتمزق فعلاً بمقص "حامي شوية"، فأدعو الله أن يدفع البلاء بسرعة ويكون المقص حامياً فعلاً، ولكن كما قال لي أحد الأطباء الذين بقوا في الغرفة بعدي، أن المقص – للأسف – كان تالماً، وأنا التي كنت أظن أنني قد رأيت آخر الهول. ولكن مستشفياتنا دائماً تستبقي لك المفاجآت حتى تبقى مندهشاً، فإما تفقد قدرتك على الدهشة وعندها تصبح طبيباً، أو تفقد قدرتك على الإحساس فتصبح طبيباً كبيراً، أو تفقد عقلك وتصبح مريضاً كبيراً.
وقتها لم أكن قد فقدت قدرتي على الدهشة، وحين تساءلت، قيل لي أن أستاذتنا الطبيبة في المستشفى الخاص للولادة، ملاك الرحمة الذي يخرج بيديه الحانيتين الحياة إلى الوجود ويشرف على معجزة الولادة العظيمة كل يوم. آه، هذا أمر آخر إذن، إن طبيبتنا لا تفعل ذلك لأنها تظن أن هذا هو أفضل ما عندها، ولا لأن هذا هو ما يجب أن يكون، ولكن لأنها تستطيع، تستطيع أن تعتبر أنها في المذبح، وتطلب السكاكين من صبيانها، فمرضى المستشفيات الحكومية ليس لهم صاحب، أما في المستشفى الخاص فإنها ببساطة – لا تستطيع.
إن الحديث عن أخلاقيات مهنة الطب وكونها مهنة رحمة لحديث ذو شجون، لا يدري المرء أين يبدأ فيه ولا أين ينتهى، حديث حين يبدأ تجد كل واحد في الجلسة له قصة محزنة مع طبيب، في كثير من الأحيان متمرس، يهمل أبسط قواعد مهنة الطب ويهدر معها أبسط قواعد الإنسانية. فما الذي كانت هذه الطبيبة ستتكلفه أو تتعب فيه أو تستغرف فيه وقتاً لو أنها راعت أن مريضتها – مع التحفظ على تسمية الولادة مرضاً – أو "الحالة بتاعتها" مستفيقة وتسمع كل شيء ومتألمة جداً وتحدثت بصوت خفيض؟ أو بينها وبين أحد الطلبة أو الممرضات الواقفين زنهار وراءها تحت الطلب؟ لا شئ، ولكن لماذا تفعل؟ فهي تستطيع ألا تفعل.
وحين كنت في السنة الثانية من كلية الطب كنت أحاول أن أتواجد في "كشك" الولادة أحياناً محاولة التخفيف عن أولئك النساء الائي لا صديق لهن بين ملائكة الرحمة وكطالب في السنة الثانية مؤكد لا أستطيع أن أفعل شيئاً أكثر من الكلام، فأنا لم أدرس بعد إلا المواد الأساسية، وبينما كنت أتحدث إلى فتاة في الثامنة عشرة ممدة على السرير، تلد للمرة الأولى ومر علي بداية آلام الوضع لديها حوالي سبع ساعات، وفي رأسي تدور أسئلة حول سبب وجود هذه الفتاة هنا بدلاً من المدرسة، كنت أحاول التخفيف عنها والإجابة عن أسئلتها البسيطة التي لا يرد عليها أحد، فإذا بطبيب جميل، وسيم، عطر الرائحة يقترب مني ليسألني سؤالاً أوقعني في معضلة، سألني ماذا كنت أفعل كل هذا الوقت؟ "إنت بتتكلمي مع العيانة في إيه؟ وتلا ذلك تعليق خفيف الظل منه: حلو قوي الpsychotherapyإللي إنت بتعمليه ده، بعدها نزلت إلى المعمل حيث انفردت في ركن وتلوت صلاة قصيرة من أجل أولئك النساء، فقد عرفت أنهن لا يحتجنني إنما يحتجن لتدخل سمائي.