الأحد، فبراير ٢٦، ٢٠٠٦

نهيتك ما انتهيت - يا رزل!ا

من يومين وجدت هذا التعليق على تدوينة نرجس


"مشاركة من اسرة اول برنامج اذاعى عن الأنترنت فى العالم العربى نذيع تهنئه خاصه للعروسين المدون والمدونه نقلا عن بلوج على القهوه الساعه 11 وخمس دقائق صباحا على أذاعة البرنامج العام اف ام 107 واربعه من عشره او على القمر الصناعى نايل سات قسم الراديو البرنامج الأول
ويمكن تتبع التفاصيل بزيارة موقع البرنامج

www.geocities.com/cairocomputer2002/mypage


Anonymous said...

عفوا سقط سهوا ان موعد الأذاعه السبت 24 فبراير الحالى الساعه 11 وخمسه صباحاً

( واليوم اكتشفت إن البرنامج أرسل رسالة الكترونية بنفس النص بتاريخ 21 فبراير لم أفتحها)

تفهم إيه من الكلام ده؟ غير يعني إن اليوم لا يوافق التاريخ؟ (24 فبراير كان يوم جمعة)

أنا فهمت إن البرنامج هيذيع "تهنئة" للعروسين – عزبي وإيمان -، وفي الغالب هتكون تلك التهنئة هي التي كتبتها لهما في تدوينة: بلوجر ودروبال راسين في الحلال

لاحظ هذه الجملة:

"مشاركة من اسرة اول برنامج اذاعى عن الأنترنت فى العالم العربى نذيع تهنئه خاصه للعروسين"

البرنامج – مشاركة وانسانية منه – عايز يشاركنا الفرح باصحابنا ويقدم التهنئة.

توجست بصراحة أول ما قرأت التعليق:

أولاً: البرنامج له قصة ليست بعيدة جداً حدثت مع رحاب بسام، وقيل فيها ما قيل، وأصبح واضحاً إن المدونين غير مرحبين لا بنقل أعمالهم بدون إذن، ولا بالحذف والتحرير.

وتبجح القائمون بالبرنامج بعبارات من نوع: "انقاذ النص من الركاكة"

ثانياً: لماذا هذا التعليق المبهم؟ والعبارات التي تحمل معنى: "احنا مش عايزين منكو حاجة يعني، دي حاجة مننا كدة هنقرا أساميكو في برنامج ماما نجوى، حسنة وأنا سيدك"

المدهش إن البرنامج في "مشاركة منه باذاعة تهنئة للعروسين" لم يذكر أسماء العروسين ولا أسماء مدوناتهم المذكورة في التدوينة – في شكل روابط، ولا حتى ما ذكر عنهم هم في التدوينة! قاموا بحذفه بالكامل! تهنئة في فضاء الزن حيث تعرف الأرواح بعضها بعضاً بدون أسامي ولا أي اشارات! مدون ومدونة! ولا حتى أسماء مواقع "بلوجر ودروبال" – عشان الإعلان طبعاَ.

نهنئ مدون ومدونة بمناسبة ارتباطهم! يا حلولي!

وحاول البرنامج استخدام ما "اقتطفه وعدله" من التدوينة "لتعليم المستعمين شوية معلومات" عن انترنت، مش أول برنامج عن انترنت في العالم العربي؟ ولسبب مجهول حذفت من المعلومات الجديدة كلمة: "تدوينة"، بينما تم تعريف كلمات: "بايت ورام".

غنى عن الاشارة طبعاً إن التدوينة تم اختصارها وابتسارها وتغيير تعبيراتها بدون اذن من كتبها، وهو حد أصلاً كان استأذن يأخدها؟ الخلاف لدى رحاب كان حول تغيير بضع كلمات، ولكن البرنامج طور نفسه وسمح القائمون عليه لأنفسهم أن ينسبوا لشخص نص لا علاقة له بما كتبه أصلاً بأكثر من سطرين – إذ يبدو إنه تولوا نقاذه من الركاكة التي أدت للتضحية بالأم والجنين والدكتور والعروسين الذي تحججوا بتهنئتهما في السكة!

السادة – للمرة التانية – "بيخطرونا" بمنتهى التعالي إنهم هياخدوا شيء من المكتوب، وهذه المرة – عشان يأخدونا على قد عقلنا: كتبوا: مشاركة منا سنذيع تهنئة للعروسين! عروسين بلا أسماء ولا مواصفات ولا أي شيء! لمن كانت التهنئة "المدعاة" إذن؟ آه: كانت للبرنامج الذي نجح في أن "يأخذنا على قد عقلنا للمرة التانية!" وربما كان هذه هي المرات التي نعرف بها، من يدري كم مرة أخرى لا نعرف بها.

بعد كل ما قيل لدى حدوتة، لا أظن إن هناك ما يقال لهم أكثر، وبغض النظر عن مسائل حقوق الملكية الفكرية والرخص، فيه حاجة اسمها: احترام الآخرين واستئذان الشخص قبل استخدام ما كتبه ولو كان طالب في رابعة ابتدائي، واستئذانه في تحرير ما كتب، ولكن يبدو إن "أول برنامج عن انترنت في العالم" قرر إن انترنت ملكه، وما نكتبه ملكه.

لا أملك إلا أن أتذكر ما حدث مع الدستور، والصحفية "ص" بالأهرام التي استأذنتني لتنقل نص واستأذتني في التعديل - وتكاسلت عن الموافقة لإنها أخبرتني إنها لا تستطع أن تكتب: "طز في وزير الصحة"!

وأخيراً أستعير تعبير حدوتة حين سمعت بالحكاية: "يادي النيلة"!

الأحد، فبراير ١٩، ٢٠٠٦

نَرْجِس

حين سافر من اثنين وعشرين عاماً بكته جدتي كثيراً. كنت أدهش إذ أجدها تبكي. كنا نعرف إنه لم يحصل على فيزا هجرة، إنما سيضطر للبقاء في الخارج حتى يحصل على الإقامة، مابين خمس وعشر سنوات على الأقل. لم يعد إلا اليوم. كنت أسألها: "بتعيطي ليه يا تيتة ده مسافر بس" فكانت ترد: "إنتي لسة صغيرة هتشوفيه تاني، أنا خلاص دي آخر مرة هأشوفه" ..... وكانت آخر مرة رأته فيها هي تلك المرة التي خرج فيها من ذلك الباب متوجهاً إلى المطار.

كانت لها طريقة خاصة لسرد حقائقها الخاصة. لا أعرف إن كانت تحدث الآخرين بنفس الطريقة أم لا. لم تكن علاقتها بالآخرين تهمني كثيراً. أتذكر المرة الأولى التي رأيتها تحقن نفسها بالأنسولين – فلم أكن ممن يستيقظون مبكراً إلا نادراً وكان هذا مشهداً فريداً بالنسبة لطفلة – وسألتها كيف تستطيع أن تحقن نفسها – فردت : "كتر الحزن يعلم البكا". عشرون عاماً بعد وفاة زوجها – جدي – الذي لم أعرفه لم تخلع الأسود أبداً لا في الخارج ولا في البيت، ولا حتى في زفاف أبنائها.

كان عمري شهوراً حين أصبت بنزلة معوية شديدة عوَلت أمي أسبابها إلى اهمال الحضانة وقررت بعدها ألا تخاطر بي هناك. أرسلتني إلى جدتي في الصعيد ولسنوات لم أعرف أماً غيرها. كانت تميزني عن باقي أحفادها الأطفال وكان ذلك يستثير غيرتهم وضجرهم مني، اليوم أعتذر منهم مداعبة: "كنتم كلكم مع أمهاتكم، وأنا كنت وحدي". حتى أولادها: "خالاتي وأخوالي الأصغر" – الذين كانوا يعيشون معها - ضجروا من اقتحام طفلة لحياتهم بضجيجها وصوتها العالي وعبثها بالأشياء، ولكن ما من أحد منهم كان يجرؤ أن يصرخ في أو يمسني وهي موجودة: كانت لتجعله يندم. كانوا أحياناً يعاقبونني أو يصرخون فيَ حين كانت جدتي تذهب إلى السوق أو لاستلام المعاش – فرصتهم الوحيدة – وكنت أشكوهم وكانت تنتقم لي. في مرة اتهمني "ش" زوراً بإنني عضضته، ولم يكن العض من مهاراتي أصلاً. وضعت لي خالتي الشطة على لساني. لا أذكر الألم من الشطة ولكنني أذكر طعم الظلم. ما كانت تجرؤ لو كانت جدتي موجودة. لازال "ش" يتذكر يوم اشترت جدتنا كمية كبيرة من الطماطم لتصنع "مربى الطماطم" وطلب منها كل الأولاد طماطماً فرفضت وطلبت منهم الانتظار حتى تعد لهم المربي. ودخلت أنا في آخر الطابور أطلب حبة طماطم – ويا للهول – أعطتني إياها! يبدو إن "ش" أيضاً يتذكر طعم الظلم!

كنت دائماً أفزع من أن تموت. كنت أعرف إن الجدات هن أول من يموت. كنت أسترق السمع يوم جاء خالي إلينا وقال لأمي: "ماما عندها القلب". بعدها صار احضار الدواء مهمتي. كنت أنام بجانبها فكنت أشعر بها حين تفاجئها أزمة من أزمات القلب ليلاً وكنت أدلك ظهرها لتستريح قليلاً. حبة تحت اللسان حين تشتد الأزمة.

ماتت بعد أن بلغت أنا بشهر واحد. كأنها دفعتني أخيراً إلى عالم الكبار واستراحت. ماتت يوم خطبة ابنها الأصغر. ألوم الكبار إنهم لم يطلبوا الطبيب أبكر أو ينقلوها إلى المستشفى. لم تكن المعرفة بالأزمات القلبية كما هي اليوم. تأخرنا جداً. كتبوا في نعيها: "حرم المرحوم فلان الفلاني". لم يكن أحد يناديها باسمها على أي حال. كانت "ماما" و"تيتة" و"تنت" و"أم فلان" – خالي الأكبر. قالت لي اسمها حين سألتها يوماً: "يا تيتة هو انت اسمك إيه غير تيتة؟"

أفكر إنها لو كانت موجودة اليوم ما كانت ستحب الانسان الذي صرته. كانت تفخر بانجازاتي الساذجة كأم لا ترى إلا ولدها. كنا نتشارك في كثير من الأنشطة التي قلما يتشارك فيها الكبار والصغار. كنا نشاهد برنامج "فن الباليه" كل أسبوع سوياً. كانت تمتعض من بناطيل راقصي الباليه من الرجال الضيفة جداً والشفافة: "مش عيب رجالة يلبسوا حاجات ضيقة كدة وشفافة، ما يصحش". لم تعترض أبداً على ملابس الراقصات. ربما كانت تخشى عليَ من مشاهدة رجال: "في ملابس ضيقة كدة وشفافة" وأرادت أن توضح إنه "مايصحش".

أنجبت أربعة عشر مرة، وعاش من أبنائها عشر. انتقلت أكثر من عشر مرات مع زوجها الموظف في هيئة السكك الحديدية. رأت بعينيها سبع عشر حفيداً من أحفادها البالغين حالياً أربع وعشرين حفيداً. يحكى عنها إنها كانت قوية جداً في شبابها وعصبية إلى حد الجنون. كانت جميلة لم يشبهها أي من بناتها ولا أبنائها.

كان اسمها: "نرجس"

الخميس، فبراير ١٦، ٢٠٠٦

تصعيد جديد

رفع الحصانة عن أربع قضاة من الوجوه الأساسية في حركة القضاة ضد الحكومة المصرية
هشام البسطويسي، محمد الخضيري - رئيس نادي قضاة الاسكندرية - محمد مكي وأحمد مكي لإجراء تحقيق معهم - من قبل أمن الدولة - بشأن "شكوى" مقدمة من أحد القضاة

المصدر: بهية
والتدوينة هامة كالعادة

قبل كدة، كانوا بيعملوا مجهود عشان "يسبكوها" شوية، دلوقتي استهانوا بينوا لدرجة إنهم حتى مش بيفكروا يسبكوها، بيأكلوهالنا زي ماهي

الثلاثاء، فبراير ٠٧، ٢٠٠٦

من ذا يُخَلِصُ انسَانيْتَنَا من جَهَالَةِ العُنف؟

مهداة إلى محمد
تلك هي التدوينة رقم 100
ياه، مائة تدوينة في تسعة أشهر
أهدي اكتمال المئة الأولى إلى طق حنكمحمد، المدون المبدع – إللي قفل الدكانة وروح
غصة ما في مكان مجهول من الحلق إذ أكتب اسمه بدون رابط




من ذا يخلص انسانيتنا من جهالة العنف؟

(1)
في العصور القديمة كان التعذيب والإعدام كثيراً ما يتم في الشوارع والطرقات، على مرأى من الناس، وفي كثير من التأملات يلوح أن هذا كان مصدر استمتاع للجماهير، وكان الكثيرون يقصدون الذهاب لتلك الساحات لمشاهدة عمليات التعذيب المغرقة في العنف والسادية
وحتى يومنا هذا مازال هناك من يذهبون لمشاهدة الجلد وقطع الرأس في ميادين دول مثل السعودية مخصصة لهذا الغرض، أناس عاديون قد يكونوا زملاءك في المكتب أو جيرانك في المسكن يذهبون بكامل ارادتهم ليشاهدوا انساناً يجلد أو يقطع رأسه بالسيف
على الجانب الآخر هناك من لا يتحملون حتى النظر إلى مشهد تمثيلي في السنما أو التلفاز، قال لي أحد الأصدقاء عن فلم آلام المسيح: "كنت أغمض عيني في كثير من المشاهد"

لماذا صرنا اليوم أقل احتمالاً لمشاهدة العنف من أجدادنا الذين اصطفوا لمشاهدة تعذيب يسوع المسيح وصلبه؟

(2)
هناك من يشاهدون العنف وألم الآخر باستمتاع وهناك ومن لا يقدرون حتى على تصور مشاهدته وبينهما طيف كامل من درجات تقبل مشاهدة العنف والنفور الكامل من مجرد وصفه
التساؤل المطروح هو: هل لهذا الاختلاف في "المزاج" تجاه العنف أي دلالة على "قناعات" الشخص نفسه تجاه استخدام العنف أولاً والقدرة على فعل العنف نفسه ثانياً؟
بشكل شخصي أعتقد أن هناك صلة ولكنها ليست صلة قوية جداً بين "المزاج" و"القناعات"
هناك الكثيرون ممن لا يجفلون من العنف بشكل "عاطفي" ومع ذلك يقفون مواقف قوية تجاه استخدامه أو فعله من منطلق "قناعة عقلية قوية" برفضه بناءاً على قرار واعي.
وهناك من لا يحتملون مشاهدة العنف ولكنهم لا يمانعون استخدامه: الكثيرون يجفلون من مشاهد العنف ولكنهم يؤيدون استخدام الدولة للعنف تجاه المظاهرات أو تعذيبها للمعتقلين في السجون تأييداً كاملاً ويعتبرون العنف "وسيلة ما" "مشروعة" تجاه "المجرمين" أو "الارهابيين" أو من شابههم

(3)
لا تظهر أهمية "المزاج" تجاه العنف في فكرة تأييده ورفضه، إنما تظهر عند تنفيذه
فأصحاب "المزاج" النافر من العنف – وهذا لا يعني عدم تأييدهم للعنف – يعجزون عن تنفيذه أو إيقاعه بالآخر، وغالباً لا يستطيع الانسان تنفيذ فعل يعجز حتى عن مشاهدته
ومن لهم مواقف عقلية مضادة للعنف لن يستخدموه حتى لو كان "مزاجهم" قابلاً لذلك
فيصير الطرف "المنفذ" للعنف دائماً هو شخص ذو "مزاج" يقبل العنف وذو قناعة عقلية بالعنف أو بلا قناعة عقلية تمنعه من تنفيذه، أو – وهي الفئة الأكثر شيوعاً – من غير أصحاب القناعات العقلية بادئ ذي بدء
وبالعنف أعني كل أشكاله: بداية من تعنيف الأطفال لفظياً وحتى التعذيب البدني والاعدام والقتل في الحرب – أي حتى العنف الموجه تحت ألمع الأسماء وأكثرها نبلاً

(4)
يجد المضادون للعنف – خصوصاً في مجتماعتنا – صعوبة كبيرة في دعوتهم أو حتى في تقبل فكرهم، ومجتعاتنا بشكل خاص تضج بالعنف بشكل خانق. العنف البدني يكاد يكون سمة سائدة في البيت، المدرسة، الشارع. مشاهد التلفاز تعج بالعنف المنزلي، حالة أقسام الشرطة والمعتقلات لا تصدق والشارع بالطبع أمام الجميع وليس بحاجة لمُذكِر. وبالرغم كل تلك المظاهر، يجد هؤلاء المضادون للعنف احتقاراً للفكرة، كأننا لم نشبع عنفاً، كل ما في الأمر أن كلٌ يضع العنف تحت ما يظنه "هدفاً سامياً" مبرراً له: فالعنف هو الثابت: اليافطات هي التي تتغير
نقطتان تلوحان في تأمل الأشخاص من جهة موقفهم من العنف:
أولاً: القدرة على تنفيذ العنف
ثانياً: التقبل "الفكري" للعنف
لابد أن يكون الهدف الأول لمن يسعون لانهاء العنف كوسيلة تعامل بين البشر أن يوجهوا الكثير من الجهود تجاه "مناقشة" العنف وتفنيد الحجج الداعمة له، بحيث يتم البناء على قناعات لا تهزها التغيرات النفسية عموماً
ولكن فكرة استحوذت تفكيري في الفترة الماضية وهي: مهما كان اقتناعنا بالعنف، فهذه القناعة لا تجدي لو كنا "غير قادرين على تنفيذه" وأقصد "بالقدرة": القدرة النفسية والوجدانية
ماذا لو كان ضباط الشرطة "غير قادرين على تنفيذ العنف؟" و "مزاجهم غير عنيف"؟
ترى أسيكون باستطاعتهم – مهما كانت القناعة – أن يصلوا لتلك الوحشية البشعة في التعامل مع البشر؟
هل سيتطوعون بابتكار وتنفيذ وسائل التعذيب؟
ألا يحتمل أن يتوجهوا لوسائل "هم أكثر تقبلاً لها" سواءاً للبحث أو للاحتجاز أو لتنفيذ القانون؟
أتكون تربية "مزاج" مضاد للعنف وسيلة من وسائل انهائه؟

(5)
من أهم "المغريات" لاستعمال العنف: سهولته. العنف وسيلة سريعة وحاسمة لقهر الآخر وتطويع ارادته. بدلاً من ربع ساعة تقضيها مع طفلك في ادخال مفاهيم إلى عقله الصغير: تصفعه. بدلاً من أن يقوم ضابط المباحث بأداء عمله بالدقة الواجبة والمجهود الذي يحتاجه: يوصل المشتبه فيه بالكهرباء. بدلاً من أن تقوم المجتمعات بالمحاولات الكافية للمقاومة غير العنيفة وما تستتبعه من جهد وتفان تزج بزهرة شبابها ليقتلوا بعضهم بعضاً تحت ألمع الشعارات. بدلاً من أن أجلس إلى نفسي لأفكر فيما فعله الآخر وأصل لأفضل الحلول العاقلة: أخرج شحنتي كلها في شكل ضربة موجعة

(6)
إذا كان العنف له هذا الإغراء لسهولته فلابد أن يكون جزء من سبيلنا أن نجعله "صعباً". وأول وأهم سبل جعله فعلاً صعباً هو القانون بالطبع، أي أن يكون العنف جريمة وأن ينفذ القانون بشأن العنف والتعذيب بصرامة، ولن يحدث أي تقدم حقيقي قبل أن يصبح المجتمع كله رقيب على العنف.
ولكن أمران يبرزان عند هذه النقطة: وماذا عن العنف "الشرعي"؟ الحرب كنوع من العنف؟ الاعدام كنوع من العنف؟ ثم أيضاً: هل يكفي "الضغط الخارجي" من جهة القانون لضحد العنف؟
ربما عند التوقف عند هذا المنعطف تبرز أهمية تربية "انسان" ماتت فيه الرغبة في العنف بل والقدرة عليه كوسيلة أولى لخلق عالم خال من العنف.

(7)
يعيش الانسان – في رأيي – بشقين: "القناعات" و"المزاج": القناعات هي مجموعة المواقف العقلية المكونة له أو لها والتي تعتمد وتفسر بأسباب واضحة على مستوى الوعي ويمكن استنطاقها بوضوح بنفس الألفاظ بين الجميع ولا تؤثر فيها نفسية الشخص أو ظروفه، أما "المزاج" فهو ذلك التقبل العام للأشياء "بغض النظر عن التفكير فيها". والانسان عموماً لا يمكن أن يفكر في كل خطوة يخطوها إنما عليه أن يسير في الكثير من الطرق بالحدس والتعود أو ما يستريح إليه وأن يبقى على طاقته لتفرع في المناطق التي يهتم بها بشكل خاص (ليس من المفيد أن تفكر كل يوم في أفضل طريقة لعبور الشارع، خاصة لو عطلك ذلك عن الاجتماع الهام الذي أنت بصدد الذهاب إليه)
لذلك لماذا لا نخلق – بينما نحن نربي "الانسان" – انساناً لا يسمح له "مزاجه"، ذلك الجزء الذي لا يفكر منه – بالاضافة إلى ذلك الجزء المفكر - بتنفيذ العنف، ويا حبذا لو نفره منه؟
وسيفيدنا في هذا الصدد أن "المزاج" بطبعه غير انتقائي، أي أن عزوفه عن العنف لن يعني "عزوفه عن العنف ضد من يحب"، إنما "عدم قدرته على إيقاعه أياً كان ضحيته"

(8)
من الممكن أن تربي مزاجاً رافضاً للعنف في الطفل أو البالغ بعدة وسائل. بالنسبة للطفل أهم الوسائل هي عدم تعرض الطفل أو الطفلة نفسيهما للعنف، وألا يشاهداه أو يعايناه. من المهم أن يظل العنف "صادماً" وليس مشهداً تعودت عليه العين كل يوم كي يبقى مثيراً للتفكير والتقييم. يلي ذلك توعية الطفل بمشاعر الألم حين يشعر هو بها. أما ما أظنه أهم تدريب فهو: "التوحد مع الآخر".
لدى الانسان ميل طبيعي للتوحد مع الآخر، فالانسان – وهذا من أساليب البقاء – يعرف أن ما يطال الآخر من الممكن أن يطاله هو أيضاً، وعليه يتوقعه ويحترز منه أو يسعى إليه، لذلك فالآخر غير منفصل عني بالكامل، وتدريب الطفل والمراهق في معرض الحياة اليومية من خلال ما يطرأ من مواقف طبيعية: كالمرض أو الحوادث أو الحزن الذي يصيب الآخرين – خاصة ممن يحبهم – على الشعور بشعورهم وتخيل شعوره هو نفسه لو أصابه ما أصاب الآخر، بما يناسب سن الطفل أو المراهق (فمن الحماقة مثلاً أن نجعل طفلاً في السابعة يتخيل شعوره لو مات أبوه أو أمه، إنما نعرضه لشعور يمكنه تخيله وفي نفس الوقت السيطرة عليه: فنطلب منه تخيل شعور صديقه الذي مرض أو تغيب عن رحلة لطيفة، ومن أهم الأساليب الداعمة هي ربط الأطفال بالحيوانات، والتي تغذي المشاعر النبيلة وفي الوقت نفسه يستتبع الطفل او الطفلة فيها ظروف الحياة العادية: الولادة، المرض، الفقد بل والموت بشكل يمكنه تحمله والتعامل معه)
وهذا التوحد سيؤدي إلى تربية انسان يمكنه تخيل ألم وشعور الآخر بشكل أعتقد إنه يعجزه عن أن يكون هو نفسه سبباً فيه – مهما كانت العداوة بينه وبين الآخر.
(9)
ألحت علي تلك الفكرة في معرض مناقشات حول كيفية تنمية شعور الأطباء بالمرضى، وإذكاء احساسهم. تنتمي الفكرة إلى نفس القاعدة: أن يشعر الانسان بما يعنيه ما يحدث للآخر. أحد تلك التدريبات مثلاً اتخاذ أوضاع الكشف على المرضى واختبار احساسهم بها: هل يشعرون بالخجل؟ هل اتخاذ ذلك الوضع مؤلم؟ هل يجدي أن يغيروا الوضع؟ هل يشعرون إنهم مهددون أو معرضون للأذى؟ هل يشعرون بالحرج من وجود شخص من الجنس الآخر؟ يقوم هذا التدريب هل فكرة اختبار شعور الآخر وجعله حاضراً في مواقفنا معه.
بالمثل أظن أنه من الممكن تدريب البالغين على العزوف عن العنف. وصف تفصيلات التعذيب تؤدي لاتخاذ موقف منه، لأن الانسان يسهل عليه تخيل تفصيلة صغيره ومدى شعوره بها من تخيل الخبرة بكاملها مصاغة في كلمة عامة خاصة إذا كان موقفه الأصلي هو: المجرمون يستحقون ذلك.

(10)
بشكل شخصي أعرف شخصاً في موقع مشهور باستخدام العنف. وبالرغم من عدم معارضته للعنف كفكرة فهو على ما أظن لا يستطيع استخدامه بسبب نفوره العام منه وأقصد نفوره النفسي من رؤيته أو تنفيذه. ألن ينتهى العنف لو انتهت القدرة على إيقاعه؟



السبت، فبراير ٠٤، ٢٠٠٦

مدد

لم تسمع/ي اسمها من قبل، هي أو أتباعها، فقد تآمر عليها المتآمرون كي يطمسوا كل أثر لها. وكان سبب المؤامرة هو السبب الأزلي: الغيرة والحقد على مكانة الآخر.
محوا اسمها من كل الأساطير، ومن أسفار الآلهة، كأنها ليست موجودة، مع أن كل إله أو إلهة "هفأ"، خلدوا اسمه: من إله الزواج لإله الثانوية العامة.
تبدأ الأسطورة "الحقيقية" هكذا:
نشأ الآلهة من كل توجه قوي يسيطر على البشر، شريطة أن تصل تلك القوة للدرجة الكافية لخلقة إله،فلما زادالحب ظهرت له إلهة، ولما تقدست الحرب ظهر لها إله، ولما أدرك الانسان أهمية الزراعة ظهرت ربة للحصاد.
إلا أن أول الآلهة وأكثرهم قوة وتأثيراً لم يكن إله الحرب ولا إلهة الحصاد ولا إله الحب
أول إلهة ظهرت كانت الإلهة "مورون" إلهة الحماقة الأزلية
ظهر آلهة واختفوا وهي في مكانها، لا يستطيع أحد أن يهز عرشها، ولما قوي أثرها بدون أي مجهود منها، إنما بولاء العباد، اشتاطت باقي الآلهة، إذ كانوا يبذلون جهوداً خرافية في الحفاظ على مراكزهم، فذاك زيوس حفيت رجلاه في أداء دوره في قيادة آلهة نزقين متعكري المزاج، وهذي إيزيس في الجهة الأخرى من العالم وقتها تجمع أعضاء أوزيريس الممزقة قطعة قطعة، بينما "مورون" إلهة الحماقة لا تفعل شيئاً، وأهم ما يظهر على العباد ليس "الحب" ولا "الحرب" ولا"الحكمة" إنما هي: "الحماقة"
فاجتمع الآلهة ذات اليوم، وكانت من المرات القليلة التي اجتمع فيها آلهة الأوليمب مع آلهة مصر الفرعونية، إذ أن "مورون" قد تعدت المنطقة الإقليمية وظهر آثرها في كل الأنحاء، فأثرت على العلاقات الدبلوماسية بين الآلهة وبعضها البعض، وبدءوا في توجيه الاتهامات لـ"مورون" المسكينة، التي لم تفعل شيئاً من الأصل لجمع المريدين – لإنها حمقاء – إنما كان محبتها في قلب البشر طبيعية، كما الأمواج في البحر، كلقيا الثغر بالثغر، كما يقول نزار.
دارت مجادلة قاسية، حاولوا فيها إيهام "مورون" إلهة الحماقة بأن عليها أن تتنازل عن رتبة الألوهية لإنها أضعف من أن تكون إلهة، فهي حتى لا تقوم بأي عمل، فما كان من "مورون" إلا أن نزلت إلى الشارع وتحدتهم جميعاً أن تدور مغمضة العينين وتشير باصبعها إلى أي شخص وتتحداهم لقياس قوة كل خصلة من الخصال التي يمثلها الآلهة فيه، وإن لم تفز هي، إلهة الحماقة، عندها يكون لها شأن آخر. وكان "ستاتيستيكس"، إله الإحصاء قد أخبرها أن احتمالات اشارتها لشخص تتفوق فيه أي خصلة أخرى على الحماقة يكاد يكون منعدماً، وكان "ستاتيستيكس" يحبها سراً، لإنها الوحيدة التي لا تطلب منه احصائية عن أي شيء، لإنها أحمق من أن تستخدم أي معطيات لاستنتاج أي شيء.
تحصيل حاصل بالطبع أن الحماقة فازت في المرة الأولى – فقالوا لها: "اثنين من ثلاثة"، ففازت أيضاً، وكان "ستاتيستكس" قد حذرها أن تزيد عن ثلاثة، لأنها تهدد احتمالاتها بنسبة ما، فلم تزد
أرتج على الآلهة، ماذا يفعلون؟ كانوا يعلمون أن "مورون" إلهة الحماقة على حق، فتدخل "ستاتيستكس" قائلاً إنه سيتطوع للزواج من "مورون" ويقنعها بالبقاء في المنزل لخدمة زوجها وعيالها ولإنها حمقاء فستوافق.
"ستاتستكس" اللئيم حقق مراده وتزوجها وظهر أمام الآلهة كأنه يبذل تضحية
ومن يومها اختفت "مورون" إلهة الحماقة في غياهب النسيان، ولكن الأيام حملت للآلهة مفاجآت كثيرة، فبرغم اختفاءها من الساحة بقيت "الحماقة" أكثر الآلهة تأثيراً، حاولت "أثينا" إلهة الحكمة أن تعزي نفسها قائلة أن الشباب للحماقة والشيوخ لها هي: الحكمة، وأطلقت مقولة: "الشيب يورث الحكمة" بينما أغرق الشيوخ أنفسهم حتى رؤوسهم التي خطها المشيب في الحماقة، تمشي في الشارع فلا تجد إلا "الحماقة"، تستمع لنشرة الأخبار فتكاد ترى "الحماقة" تتجسد أمامها، تستمع لمن ارتدوا ثيابها، "ثياب الحكمة" وهم يتحدثون بلسان "الحماقة" ولا شيء إلا "الحماقة"، تتنتظر أن تسمع صوتاً يمثلها فلا تسمع إلا "حماقة حماقة حماقة"
ومن يومها اعتزلت الحكمة "الحياة العامة" وتركتها لعباد "مورون" إلهة الحماقة المخلصين
وتمسح البشر في آلهة أخرى ينسبون إليها فضل أعمالهم الحمقاء، ولا ينسبونه لـ"مورون" إلهة الحماقة صاحبة الفضل، لأن "مورون" إلهة الحماقة اختفت عن ناظريهم وفعلت ما يجب عليها "وربت عيالها"
فقد آمنت "مورون" من بعد تفتيشها في أوراق "ستاتستكس" إن كل الإحصائيات أثبتت إنها لابد أن "تغلبه بالعيال"فلم توافق أبداً على استعمال حبوب منع الحمل
وكان "ستاتستكس" ينزعج من استعمال الواقي الذكري
لم تعرف الحكمة في عزلتها أن نتيجة هذه الحسبة البسيطة إن "مورون" إلهة الحماقة قد أنجبت بفضل ستاتيستيكس أربعة آلهة صغار، أطلقتهم مع الرياح الأربعة يذرعون البسيطة كل يوم جيئة وذهاباً مطمئنين على صيتها وشعبيتها: مناكوليو إله العته - البكري، هبلاسيوس إله الهبل، وتوأمه مجنوليس إله الجنان الرسمي الذين تعذبت "مورون" كثيراً في حملهم ولادتهم، و حين اشتاقت للبنات أنجبت آخر العنقود تلك الإلهة الظغننة الأروبة ذات الاسم المركب: شعللها شعللها إلهة "الطيش" والتي لو ركزت/ي بدقة ستلاحظها /تلاحظينها وهي تلوح بيدها للكاميرا من خلف المتحدثين في كل نشرة أخبار
وعاقبت الآلهة "ستاتيستكس" لامتناعه عن استعمال الواقي الذكري بجعل الاحصائيات مُعطيات مُضَلِلِة إلى الأبد، تثبت الشيء وضده، وكره الطلبة والطالبات مادة الإحصاء إلى يومنا هذا

<
eXTReMe Tracker
Office Depot Coupon Codes
Office Depot Coupon Codes