واحدة من إياهم
وبعد الضحك والبكاء والشئ لزوم الشئ
بعين الخيال
أرى الفتاة "الملتزمة" التي كتبت "برشام" الفسيولوجي على ذراعها لزوم الغش وهي تنهرنا:"أوعوا تكونوا فاكريني واحدة من إياهم، أنا بنت شريفة"
الطبيبة "و" بطلة "شوفولنا مقص" وهي تقول: "أنا مش واحدة من إياهم، أنا ست شريفة"
ورأيت موظفة الحي التي دست في جيبها مبلغ الرشوة لـ"تغض البصر" تنهرني: "إيه، أنا مش واحدة من إياهم، أنا ست شريفة"
ورئيسة ملجأ اليتيمات التي تعاقب الفتيات بحبسهن طوال اليوم دون طعام وهي تؤكد: "أنا مش واحدة من إياهم، أنا ست شريفة"
وراندا الشامي في تصريحها المثير الذي كتبته الصحف بالبنط العريض بعد اتهامها بالتواطؤ وإدخال مبيدات مسرطنة إلى مصر:"قد أكون مرتشية ولكني لست منحرفة جنسياً" والترجمة من عندي على نفس الشريط: "أنا مش واحدة من إياهم أنا ست شريفة"
والممرضة التي تقيد المرضى إلى الأسرة: "أنا مش واحدة من إياهم، أنا ست شريفة"
والفتاة التي يطل من وجهها الحياء الجميل وهي – بمنتهى الحياء – تطلب "شبكة" أثقل وتنظر إلى ميزان الذهب لتقيس قيمة: "إنها مش واحدة من إياهم، وإنها بنت شريفة"
والأم التي أوسعت ابنها ضرباً في عرض الشارع ترد على نظرتي المستنكرة: "أنا مش واحدة من إياهم، أنا ست شريفة"
وزوجة تختلس النقود من جيب زوجها وتتوسع في "الرجالة كلهم كدة" أمام أولاده، قالت لي: "أنا مش واحدة من إياهم، أنا ست شريفة"
وقاتلة محبوسة في سجن النساء تدافع عن نفسها: "قتلته لأنه افتكرني واحدة من إياهم وأنا ست شريفة"
ومعلمة تقيس الأولاد بحسب أنواع سيارات والديهم: "أنا مش واحدة من إياهم أنا ست شريفة"
وفتاة أنيقة تنتهر أطفالاً مهلهلي الثياب التصقوا بسيارتها بعبارات من نوع: "جتكو القرف مليتوا البلد" تقول بمنتهى الثقة: "أنا مش واحدة من إياهم، أنا ست شريفة"
وجلسة نميمة قالت لي بطلتها: "أنا مش واحدة من إياهم، أنا بنت شريفة"
والطبيبة التي رفضت كتابة تقرير بحالة مريضتها الطفلة التي تعرضت للختان "لأن البنت مافيهاش حاجة" – فهي على ما يبدو لا تكتب تقارير طبية في أقل من قطع ذراع أو ساق - صرحت بأنها "مش واحدة من إياهم وإنها ست شريفة"
وأنا حين أكذب كذبة صغيرة – بيضاء أو سوداء – وأنام على وسادتي مطمئنة ضميري بأنني على الأقل لست واحدة من إياهم، أنا بنت شريفة
وأرى "فرج"، الشاويش "فرج" الذي اغتصب سعاد حسني في فيلم الكرنك يعود إلى بيته ليجد زوجته في أحضان رجل آخر فيقتلها ويصرخ "شرفي"
وأرى مهندس الحي الذي خرج من تحت يده التصريح بتعلية الأدوار التي سقطت على من فيها يري زوجته في نفس الموقف فيصرخ: "شرفي"!
وأرى ضابط المباحث العائد من نبطشية كهربة وتعليق واغتصاب في نفس الموقف يصرخ: "شرفي"!
وأرى طبيباً يضرب مرضاه في المستشفى في نفس الموقف يصرخ: "شرفي"!
وأرى صاحب الورشة الذي "ينفخ" صبيانه الأطفال بمنفاخ العجل ويعلقهم على باب الورشة في نفس الموقف صارخاً: "شرفي"
وأرى الأب المرتمي في أحضان بائعات الهوى يكتشف أن ابنته حملت سفاحاً فيقتلها ويصرخ: "شرفي"
وأرى أستاذ الجامعة الذي يسرب الامتحانات للطلبة مقابل مبلغ وقدره كذا، يقتل زوجته لو خانت ويهلل: "شرفي"
وأرى فتى صغير السن، مهمته حتى يجد عملاً اصطياد الفتيات الصغيرات، يرى أخته مع حبيب على كورنيش النيل، فيزعق: "شرفي"
وفتى آخر تصرف أخته عليه بينما هو بالمنزل يدخن الحشيش، فلما تعود يوماً متأخرة يصرخ: "شرفي"
وفتى غض يقضي وقته في الشارع في إبداء رأيه في الصفات التشريحية لكل أنثى عابرة، يرى أخته في الشفاف من الثياب فيصرخ: "شرفي"
وممرض في مستشفى أمراض عقلية يغتصب مرضاه من الرجال، لو شك في امرأته يقتلها ويصرخ: "شرفي"
وطبيب يقتات من ترقيع أغشية البكارة، لو اكتشف أن غشاء بكارة زوجته مضروب، يعيدها إلى أهلها طالباً "الرهن" ويصرخ: "شرفي"
وفي الحلم أجد "واحدة من إياهم" تقول: "الحمد لله إني واحدة من إياهم وماطلعتش شريفة زي الناس دول"
ربما كانت معضلة أخلاقياتنا – أو لا أخلاقياتنا – أننا شرفاء، زيادة عن اللزوم